بقلم | حسن النجار
ثمنت قواسم مشتركة بين الثقافتين المصرية والصينية تتمثل في منظومتي القيم والأخلاق، اللتان عضدت أواصر الصداقة بين الشعبين منذ أمدٍ بعيدٍ، ومن ثم نجد أن الصورة الذهنية لدى المصريين إيجابيةٌ،
وكذلك في وجدان الصينين؛ فنرى التواصل بين الشعبين مشجعًا على التبادل الثقافي والاقتصادي، وممتدًا لكافة أطر المجالات الأخرى المرتبطة بالتنمية المستدامة بشكلٍ فاعلٍ.
وتثمن دبلوماسية البلدين الرئاسية والخارجية المواقف التي تعلنها كلاهما تجاه الأخرى؛ فعلى مستوى الشأن الدولي تلتزم الدولة المصرية بمبدأ صين واحدة،
وفي المقابل تثمن الصين دور مصر الرائد والمحوري في كافة الشئون على المستويين الإقليمي والدولي،
وحقها في حماية أمنها القومي بأبعاده المختلفة، وفي هذا الخضم تُعد مصر شريكًا أصيلًا على مستوى القارة السمراء والعالم العربي قاطبة،
وهذا ما دشن فكرة التحالفات والشراكات المؤسسية التي تدعم مصالح الدولتين، بل وحقق ماهية التحرك الجماعي تجاه السياسات العالمية، بما يضمن توفير مقومات الحماية وتحمل الأعباء في ضوء الواجبات والمسئوليات المشتركة.
وجديرٌ بالذكر أن الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصين آخذت في التطور بصورةٍ مضطردةٍ في المجالات الاقتصادية وما تتضمنه من استثمارٍ وتجارةٍ خاصةٍ في الجانب التقني؛ فقد باتت الخبرات الصينية ذات مكانةٍ رفيعةٍ بين الدول المتقدمة،
وريادتها في مجالات التنمية المستدامة جعلتها تحتل الصدارة على المستوى العالمي، وهذا بلا شكٍ استفادت منه الدولة المصرية في مشروعاتها القومية التي أضحت كائنةً ومستدامةً وفق خريطةٍ محددة الملامح والمراحل.
والأمل معقودٌ على تنامي العلاقات المصرية الصينية من خلال المزيد من تبادل الزيارات الرئاسية والحكومية،
وحتى على المستوى الخاص الذي يصب في مصلحة الدولتين؛ فيزيد من أطر التعاون والشركات، ويحقق غايات المستقبل التي تتمثل في اللحاق بركاب التقدم والنهضة،
وفي القلب منها التطور التقني في مجالات التنمية بتنوعاتها المختلفة، وتلكما ثمرةٌ عظيمةٌ ينتج عنها خلق مزيدٍ من الإعمار وفرص العمل عبر اتساع رقعة التنمية بربوع الوطن.
والواقع يصف نتاج الشراكة الاستراتيجية بين البلدين؛ فاللصين دورٌ فاعلٌ في مشروعات مصر القومية سواء أكان في مجالات البنية التحتية، والنقل، والسكك الحديدية، وبناء السفن، والإنشاءات،
والاستثمارات، وعلوم الفضاء، ناهيك عن مشاركتها المبهرة في بناء حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة،
والمساهمة في تدشين القطار الكهربائي للعاشر من رمضان؛ بالإضافة إلى حجم الاستثمارات الضخم بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وكان للصين دورًا في إطلاق القمر الصناعي المصري مصر سات-2، كما كان لها موقفٌ نبيلٌ إزاء الأزمة الاقتصادية العالمية؛ حيث عملت على تعزيز التعاون المالي وتمديد الاتفاقية بشأن مبادلة العملات المحلية، ونجاح مصر في إصدار سندات الباندا في الصين،
وزيادة التنسيق في المحافل الاقتصادية الدولية، ومساعدة انضمام مصر للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية،
واستضافتها للاجتماع السنوي للبنك في عام 2023، وكذلك الانضمام لبنك التنمية الجديد رسمياً في عام 2023، والانضمام لعضوية تجمع البريكس في عام 2024.
إن تلكما المحامد والنتاج المثمر المستدام حفز توقيع البلدين على البرنامج التنفيذي للشراكة الاستراتيجية الشاملة للأعوام الخمس المقبلة، كخريطةٍ مستقبليةٍ تضمن توطيد العلاقات والارتقاء بها، وتضع الخطط الاستراتيجية التي تستهدف توطين الصناعة بأحدث التقنيات،
والعمل على جذب الاستثمارات الصينية المباشرة في مجال تصنيع السيارات الكهربائية، والأجهزة الإلكترونية،
وإنتاج الألواح الشمسية، والصناعات الكيماوية، ومواد البناء، بالإضافة إلى التكنولوجيا الزراعية الحديثة، وغير ذلك مما يصعب تناوله وحصره.
ودعوة الرئيس إلى قمة عربيةٍ صينيةٍ في مصر يزيد من فرص زيادة حجم التبادل التجاري؛ حيث السماح بدخول المزيد من المنتجات المصرية عالية الجودة إلى السوق الصينية،
وتسهيل دخول مدخلات الإنتاج من الصين لتصنيع المنتج النهائي في مصر، وبحث سبل تسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية للبلدين، فضلاً عن تعزيز التدفقات السياحية الصينية إلى مصر،
وتشجيع الاستثمارات الصينية المباشرة في مجال إنشاء وإدارة الفنادق، وكذلك تعزيز التعاون في المجال الإعلامي، والثقافي، والعلمي، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجالات المختلفة.
وتجنبًا للإطالة نؤكد بأننا على ثقةٍ تامةٍ من أن مصر والصين ،اللتان لهما تاريخ وجغرافيا عتيقة، وحضارةٌ غائرةٌ، سوف تحققان نهضةً غير مسبوقةٍ في مجالاتٍ عديدةٍ؛
ولن تتوقف بروتوكولات التعاون بمشيئة الله تعالى في ظل سياساتٍ رشيدةٍ وحكيمةٍ من الطرفين،
وستظل آفاق لغة الحوار منفتحةً على مصراعيها طالما ساندتها قوىً تؤمن بحقوق الإنسان، وتحترم طبيعته، وتحرم دمائه، وتقدس حقه في الحياة الآمنة المستقرة الكريمة،
بل وتعمل بكل طاقةٍ وجهدٍ متواصلٍ لتوفر له مقومات الرفاهية المستحقة؛ كي يصبح أداة بناءٍ وإعمارٍ لا معول هدمٍ ودمارٍ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.