“تحديات تشكيل الجيش السوري الجديد: انصهار الفصائل بمركزية موحدة”
كتب | حسن النجار
عملية تشكيل “الجيش السوري الجديد” تواجه عقبات كبيرة أمام القيادة في دمشق، بسبب طبيعة الفصائل التي ستُدمج في كيان واحد. اللقاءات الأولية جمعت القائد العام أحمد الشرع مع قادة المعارضة المسلحة، حيث وقّعت تفاهمات مبدئية لتأسيس هذا الجيش، وسط مسار موازٍ لتحقيق رؤية موحدة للقرار المركزي.
الخطوة تعد اختباراً حقيقياً لتحقيق توافق داخلي بين الأطراف، مع تحديات تتمثل في الإرث المعقّد لهذه الفصائل والخلافات السياسية والعسكرية التي قد تعيق هذا المشروع الطموح.
لن تكون عملية تشكيل “الجيش السوري الجديد” مهمة سهلة أو سلسة أمام القيادة الجديدة التي تمسك بزمام الأمور في العاصمة السورية دمشق، وذلك نظراً لطبيعة وخلفيات التشكيلات التي من المفترض أن تنصهر في الأيام المقبلة، قبل أن تندمج ضمن جسم واحد ذي قرار مركزي.
وعلى صعيد تشكيل “الجيش الجديد”، كان القائد العام لغرفة العمليات العسكرية، أحمد الشرع، التقى نظراءه من قادة لفصائل بالمعارضة المسلحة وبالتدريج. وبعد صور جمعتهم في قصر الشعب، وقّع على أول قرار عسكري له، مساء الأحد.
وقضى القرار بترفيع رتب عدد من العسكريين إلى ألوية وعمداء وعقداء، وكان أبرزهم مرهف أبو قصرة، الذي تم توكيله بعد أيام من سقوط نظام بشار الأسد بحقيبة وزارة الدفاع المؤقتة.
ولم تعرف الآلية التي تم اعتمادها بخصوص ترفيع رتب العسكريين، وكذلك الأمر بشأن ما إذا كانت هذه الخطوة ستشمل جميع الفصائل العسكرية، أم تقتصر على الطرف الذي أمسك بالقرار في دمشق بشكل فعلي.
لكن حسب الأسماء التي تضمنها قرار الترفيع، فقد شمل القرار العسكريين التابعين لهيئة تحرير الشام وآخرين من فصائل مسلحة كانت تحالفت معها في العملية التي أُطلق عليها اسم “ردع العدوان”، والتي انتهت بسقوط نظام الأسد.
كما شمل القرار شخصيات عسكرية أجنبية (ليست من الجنسية السورية)، وفقا لباحثين استعرضوا هوياتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في الساعات الماضية.
عملية سلسة أم لا؟
ويعتقد الباحث السوري في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، محسن المصطفى، أن “فرص نجاح خطوة دمج الفصائل الثورية المسلحة تكبر باستمرار حتى الآن”.
إن الاجتماعات التي تقوم بها هذه الفصائل مع الإدارة السورية الجديدة، “في الطريق الصحيح نحو هذا الدمج”.
كما يعتبر المصطفى أن “وزارة الدفاع الجديدة قادرة على استيعاب الجميع، خصوصا أن الجيش السابق لم يعد موجودا منذ فجر يوم الأحد 8 ديسمبر 2024”.
وكانت “هيئة تحرير الشام”، المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى، رأس حربة المعركة الكبيرة التي وصلت إلى دمشق قبل أن يتم الإعلان عن سقوط الأسد.
وتحالفت معها فصائل مسلحة معارضة إسلامية وغير إسلامية، بالإضافة إلى تشكيلات أخرى تدعمها تركيا ضمن ما يُعرف بـ”الجيش الوطني السوري”.
ويقول قائد “هيئة تحرير الشام”، الشرع، إنه بصدد الإعلان عن حل الفصيل الذي يقوده، مؤكدا أن هذا المشهد “سيطبق على كافة التشكيلات الأخرى”.
لكن في المقابل، لم يكشف الشرع عن الآلية التي سيتم المضي فيها لتحقيق هذه الخطوة، وما إذا كانت ستجري بناء على قواعد من شأنها أن تفرز ألوية وفيالق وهيئة أركان.
وفي هذا الصدد، يرى المصطفى أنه “لن يكون من السهل دمج هذه الفصائل ضمن جيش موحد”، معتبرا أن “هذه العملية ستواجه تحديات جمة”.
“ما زال الطريق طويلا نحو تحقيق هذا المسار، وأعتقد أنه سيأخذ مسارا موازيا مع العملية التأسيسية للدولة”، وفق الباحث السوري.
كما لا يستبعد المصطفى أن تكون البداية “غرفة عمليات موسعة تعمل عمل هيئة الأركان العامة، ريثما تتم إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية ككل، خاصة وزارة الدفاع”.
“تحدي احتكار العنف”
ورغم أن الكثير من الفصائل المسلحة اشتركت في معركة إسقاط الأسد، وحتى أنها انتشرت في عموم محافظات البلاد وأبرزها دمشق، فإن العلاقة فيما بينها لا تزال تحكمها اعتبارات تتعلق بخلفياتها وجذور تشكيلها.
ولا ينطبق ما سبق على الفصائل التي كانت تنشط في شمال سوريا فقط، بل تنسحب الحالة إلى جنوبي البلاد وشمالها الشرقي.
ويعتبر الباحث في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان، أن قرار الترفيع الذي صدر، الأحد، “طبيعي.. وهو جزء من الانتقال الثوري للسلطة وليس الدستوري”.
لكن الباحث يشير في حديثه إلى تحدٍ يكمن في “احتكار العنف والسلاح”.
ويقول إنه “لا يمكن لأي دولة كاملة السيادة أن تسمح بعنف منظم خارج إطارها”، مضيفا: “الدولة بتعريفها العام هي الجهة التي تحتكر العنف واستخدام السلاح.. وهذا تحد كبير، لاسيما مع وجود حجم كبير من السلاح خارج إطار الدولة”.
وشملت اللقاءات التي أجراها الشرع خلال الأيام الماضية على صعيد تشكيل “الجيش الجديد”، عموم الفصائل المسلحة في شمال سوريا وجنوبها.
وفي حين وضع الشرع من خلال تصريحاته الخطوط العامة لعملية الدمج العسكري، فإنه لم يحدد خطوات فعلية على الأرض حتى الآن.
كما لم يحدد الشرع كيفية التعاطي مع الفصائل التي قد ترفض عملية الدمج والانضواء في “الجيش الجديد”، خاصة تلك المنتشرة في جنوب سوريا، أو التي تحكم مشهد شمال شرقي سوريا، المتمثلة بـ”قوات سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية.
ويعتقد الباحث علوان أن فصائل درعا والسويداء وربف حلب “تقدم رسائل إيجابية وتبدي مرونة مقبولة اسمية للاندماج، لكن من الواضح أنه توجد حاجة لتعزيز الثقة أكثر مع الإدارة الجديدة”.
أرقام أم أسماء؟
وقبل سقوط نظام الأسد، كانت فصائل المعارضة المسلحة تندرج ضمن ما يعرف بـ”جماعات ما دون الدولة”، ومن بينها “هيئة تحرير الشام”.
وبعد سقوط الأسد، أصبحت هذه الجماعات، الجهة المسيطرة على البلاد بحكم أمر الواقع الذي حصل فجأة.
ويشير الباحث السوري المصطفى إلى أن التشكيل الجديد (الجيش الجديد) لم يتم الإفصاح عنه، بمعنى هل سيتم اعتماد أسماء الألوية والفصائل لتكون أسماء الفرق العسكرية، أم أنها ستستخدم الأرقام بدلاً عن الأسماء أسوة بالسابق؟.
ويرى أن هذا الأمر سيبقى رهنا بسياسة القائمين على المؤسسة العسكرية، وعلى رأسهم قادة “هيئة تحرير الشام”.
من جانبه، يوضح الباحث السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، أن إعادة بناء الجيش الوطني تمثل “أولوية قصوى”، حيث ينبغي أن يكون “مؤسسة تمثل جميع السوريين، وتخلو من التأثيرات الأيديولوجية، مع دمج المقاتلين الراغبين، وضمان إشراف مدني على الجيش”.
ويعتقد شعبان في حديثه لـ” جريدة الوطن اليوم “، أن “تهديد قوات سوريا الديمقراطية سيظل تحديا للأمن القومي السوري، حيث تسعى هذه القوات بدعم دولي لترسيخ نفوذها على مساحات واسعة من البلاد، مما يزيد من تعقيد جهود إعادة توحيد سوريا”.
في المقابل، سيمثل “فلول النظام السابق”، على حد تعبير الباحث، “تهديدا مستمرا من خلال تشكيل خلايا نائمة، واستغلال الانقسامات الاجتماعية، مما يستدعي تطبيق العدالة الانتقالية وتفكيك شبكات النظام الأمنية”.
وفيما يتعلق بعملية الدمج، يشرح شعبان أن “نزع سلاح الفصائل المسلحة ودمجها في الجيش الوطني، يمثل خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار”، لكنه يشدد على أن ذلك “يتطلب شفافية وموارد مالية ودعما دوليا، لضمان التنفيذ السلس”.