بقلم: حسن النجار.. إعلان بغداد.. قمة الجراح العربية وإشادة بموقف مصر الصادق 

الكاتب الصحفي والمفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون السياسية والباحث في الشؤون السياسية الدولية

0 60٬197

بقلم: حسن النجار  

وسط مشهد إقليمي بالغ التعقيد، ومناخ سياسي تشتعل فيه الأزمات من المحيط إلى الخليج، جاءت قمة بغداد كنافذة أمل تبحث عن خيط نجاة، محاولة لملمة جراح العالم العربي، وخلق مساحة جديدة للتوافق بين الأشقاء.

البيان الختامي للقمة تناول 11 أزمة ملتهبة تضرب جسد الأمة العربية، أبرزها القضية الفلسطينية، والحروب في غزة وسوريا واليمن وليبيا والسودان، فضلًا عن قضايا الأمن المائي والتدخلات الأجنبية. وجاء إعلان بغداد كنداء ضمير، يحمل في طياته دعوات صادقة لوقف النزيف العربي، مناشدًا الجميع بتحويل الكلمات إلى أفعال، والتعهدات إلى تنفيذ عاجل.

القضية الفلسطينية.. في صدارة الإعلان والموقف المصري 

أولى القضايا التي تصدرت إعلان بغداد كانت الحق الفلسطيني، حيث أكد القادة العرب رفضهم القاطع لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني، وشددوا على ضرورة فتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ودعم خطة إعادة الإعمار، التي أقرتها قمة فلسطين بالقاهرة في مارس 2025.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نجم القمة دون منازع، حيث لاقت كلمته إشادة واسعة، بعدما جسدت روح التضامن والمبدأ، مؤكدًا على وحدة الصف العربي، والتزام مصر التاريخي بحماية الأمن القومي العربي، ورفض أي مساومة على الحقوق الفلسطينية أو تجاه القضايا المصيرية للعرب.

سوريا ولبنان واليمن.. حوار لا إقصاء 

في الملف السوري، دعا الإعلان إلى حوار وطني شامل يراعي تطلعات الشعب السوري، ويؤكد احترام وحدة الأراضي السورية ورفض الاعتداءات الإسرائيلية. أما لبنان، فدعت القمة قواه السياسية إلى التفاهم الوطني، وإنهاء الانقسام السياسي وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. وفي اليمن، تم التأكيد على سيادة الدولة، وضرورة إنهاء الحرب والدخول في مسار حوار داخلي شامل بعيدًا عن التدخلات الخارجية.

السودان وليبيا.. لا بديل عن الحل السياسي 

أكد إعلان بغداد على ضرورة التسوية السياسية في السودان، ودعم كل المبادرات الدولية كإعلان جدة. أما ليبيا، فشددت القمة على أهمية خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، والإسراع في إصدار قوانين انتخابية توافقية تمهيدًا لإجراء الانتخابات، وإنهاء حالة الانقسام والفوضى.

الأمن المائي والنووي.. صراعات تتطلب تكتلًا 

قضية الأمن المائي نالت اهتمامًا كبيرًا، إذ شدد الإعلان على دعم حقوق مصر والسودان والعراق وسوريا في مياه الأنهار، باعتبارها ركيزة من ركائز الأمن القومي العربي. كما تم التأكيد على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، في ظل تصاعد المخاطر الإقليمية.

إشادة بدور مصر.. وعودة الريادة 

رغم تعدد الملفات وتشعبها، كانت مصر حاضرة بقوة في روح الإعلان وكلماته، ليس فقط عبر خطاب رئيسها، بل من خلال مواقفها الثابتة، وسعيها الدائم لتجنيب المنطقة ويلات الانقسامات والصراعات. فقد أعادت مصر عبر هذه القمة تأكيد دورها كصمام أمان، تقف في وجه الدمار، ترفض التنازلات، وتدفع نحو وحدة الموقف العربي في زمن تراجعت فيه المبادئ وتبدلت الأولويات.

الختام.. أمل في التفعيل 

رغم إدراك الجميع أن التحول من بيانات القمم إلى واقع ملموس ليس بالأمر اليسير، فإن قمة بغداد منحت العرب فرصة حقيقية جديدة، لكن نجاحها مرهون بقدرة الزعماء على تحويل الأقوال إلى أفعال، ورسم سياسات تستند إلى وحدة الموقف العربي لا إلى المصالح الضيقة.

قمة بغداد ليست النهاية، لكنها بداية ممكنة.. والبداية دائمًا تحتاج إلى إرادة، ومصر قدمت اليوم نموذجًا لتلك الإرادة.

اترك تعليق