بقلم: حسن النجار : ترامب و”سد النهضة”.. اهتمام مفاجئ أم أوراق مساومة؟!  

بقلم | حسن النجار  

من حق الشعوب أن تتساءل وتندهش، خاصة حين يأتي الاهتمام المفاجئ من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بملف “سد النهضة” الإثيوبي، والذي وصفه مؤخراً بـ”الغباء” نظراً للتمويل الأمريكي الذي قُدم في مرحلة سابقة، معبراً عن قلقه من تأثير السد على الشعب المصري الذي يعتبر نهر النيل شريان حياته الوحيد.

منذ تصريحات ترامب الأخيرة، التي انتشرت عبر وسائل الإعلام العالمية، يتردد سؤال كبير في أذهان المصريين: لماذا الآن؟ ما الذي يدفع الرئيس الأمريكي – إلى طرح ملف السد بهذه الحدة؟ وهل هو حرص صادق على الأمن المائي المصري أم أن هناك أهدافاً أخرى تتخفى خلف الكلمات الدافئة والتصريحات الدبلوماسية؟

تمويل أمريكي.. واعتراف صريح 

اللافت أن ترامب لم يكتفِ بالحديث عن خطورة السد، بل أقرّ صراحةً أن الولايات المتحدة كانت من أوائل الدول التي ساهمت في تمويل بنائه، دون التنسيق مع الدول المتضررة، وعلى رأسها مصر والسودان.

وهو اعتراف يكشف أن واشنطن كانت طرفاً فاعلاً في واحدة من أخطر الأزمات المائية التي تهدد استقرار المنطقة.

المشروع، الذي انطلق عام 2011 بميزانية تقترب من 4 مليارات دولار، يُعد الأكبر من نوعه في أفريقيا، ويثير قلقًا مشروعًا لدى دولتي المصب. وبينما ترى إثيوبيا في السد خطوة ضرورية لتوليد الكهرباء والتنمية، ترى مصر والسودان فيه تهديدًا مباشرًا لحصتهما التاريخية من مياه النيل.

تصريحات تثير الريبة 

تصريحات ترامب جاءت خلال لقائه بالأمين العام لحلف “الناتو”، وأكد خلالها أن الولايات المتحدة “ستحل مشكلة السد بسرعة كبيرة”، معترفاً بأن إثيوبيا أغلقت مجرى نهر النيل، وقال نصاً: “من الجميل أن يكون هناك ماء في النهر، لأنه شريان الحياة بالنسبة لمصر”.

وفي رده على هذه التصريحات، أبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي موقفاً يتسم بالوعي والدبلوماسية، مشيدًا باهتمام ترامب بالوصول إلى اتفاق عادل بخصوص السد. ونشر الرئيس عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك”:

“تثمن مصر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تبرهن على جدية الولايات المتحدة تحت قيادته في بذل الجهود لتسوية النزاعات ووقف الحروب.”

وأكد السيسي أن مصر تقدر حرص ترامب على التوصل إلى حل عادل يحفظ مصالح كل الأطراف، وتجدد دعمها لرؤيته في إرساء السلام والاستقرار في المنطقة.

لكن.. لماذا الآن؟ 

رغم الترحيب الرسمي، يبقى السؤال الأهم قائمًا: ما سر التوقيت؟ لماذا يفتح ترامب ملف سد النهضة الآن، ومن قلب البيت الأبيض، وأمام مسؤول في حلف عسكري لا علاقة له بالمياه أو التنمية؟

الإجابة قد لا تكون في ظاهر الكلام، بل في ما وراءه. فمصر، التي تعاملت مع ملف السد بذكاء وحنكة طيلة السنوات الماضية، لم تنجرّ إلى صراعات أو مواجهات عبثية، بل واجهت التحدي بالدبلوماسية والمشروعات البديلة. وتمكنت من امتصاص تداعيات الملء بفضل السياسات المائية الرشيدة، وملأ السد في فترات الفيضان قلل من حدة التأثير.لكن، هل تصريحات ترامب تهدف فعلاً لحل الأزمة، أم أنها جزء من لعبة سياسية أكبر؟

مصر.. ثوابت لا تتغير 

ما يجب أن يُفهم جيداً، أن مصر لا تقبل المساومات، ولا تتخلى عن ثوابتها الوطنية، سواء في ملف مياه النيل أو في موقفها الثابت من القضية الفلسطينية، حيث ترفض سياسات التهجير والقتل الجماعي والحصار ضد الشعب الفلسطيني، وتؤكد رفضها لأي ضغوط خارجية.

كما أن القاهرة لا ترى في علاقاتها الدولية مجالاً للمقايضة، بل تنفتح على العالم من موقع الندية، وتسعى لتعزيز تعاونها الاستراتيجي مع مختلف القوى الإقليمية والدولية، كما يتجلى في عضويتها بمجموعات كـ”البريكس”، وغيرها من التكتلات التي تخدم مصالحها.

ختامًا.. 

مرحّبٌ بأي مبادرة هدفها السلام والاستقرار في المنطقة، سواء جاءت من ترامب أو غيره. لكنّ أمن مصر المائي ليس ورقة تفاوض، ولا ملفًا للابتزاز السياسي، بل هو خط أحمر، تتعامل معه الدولة المصرية بثقة وحنكة وحسابات دقيقة، ولن تنساق خلف أي ضغوط أو مغريات.

ويبقى السؤال مطروحًا: هل ما أعلنه ترامب اهتمام إنساني حقيقي، أم أنه فصل جديد من فصول السياسة الدولية، حيث تختلط المصالح بالتصريحات، ويُغلف الضغط بالدبلوماسية الناعمة؟ الأيام كفيلة بالكشف. حفظ الله مصر حفظ الله الوطن حفظ الله الجيش :

حسن النجار

حسن النجار : رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم الاخبارية والكاتب الصحفي والمفكر السياسي في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية باحث مشارك - بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو المكتب الفني للشؤون السياسية وعضو لجنة تقصي الحقائق بالتحالف المدني لحقوق الانسان لدي جامعة الدول العربية والنائب الاول لرئيس لجنة الاعلام بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان الدولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى