تقارير عالمية

اعتراف الدول بفلسطين يتجاهل قضية اللاجئين رغم كونها جوهر الصراع 

كتب| محمد طلعت  

تمت الترجمة بمعرفة الوطن اليوم 

صورت الدول التي اعترفت بدولة فلسطين هذا الأسبوع هذه الخطوة باعتبارها تقدماً نحو حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مشيرةً إلى قضايا مثل العنف والمعاناة في غزة،

والرهائن الإسرائيليين، والديمقراطية الفلسطينية، والسفارات، وحماس، ووقف إطلاق النار الذي يبدو من الصعب تحقيقه. 

مع ذلك، غابت قضية أساسية عن الإعلانات وهي قضية اللاجئين الفلسطينيين، التي تُعد من أعقد العقبات في مسار الصراع. 

وكانت فرنسا والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا والبرتغال من أبرز الدول التي أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية هذا الأسبوع،

بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك. ولم تُجب فرنسا وأستراليا والمملكة المتحدة والبرتغال على أسئلة تتعلق باللاجئين، بينما أكدت كندا وأستراليا دعمهما لـ “حل عادل” لهذه القضية. 

لطالما طالب الفلسطينيون بـ”حق العودة”، أي حق جميع من فقدوا منازلهم فيما يُعرف اليوم بإسرائيل خلال حرب عام 1948 – والأهم من ذلك حق أحفادهم – في العودة ضمن أي اتفاقية سلام مستقبلية. 

وقد رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هذا المطلب بشكل قاطع، مؤكدة أن تنفيذه يعني إنهاء وجود إسرائيل كدولة يهودية عبر فقدان أغلبيتها اليهودية، وهو ما قد يؤدي لظهور دولة فلسطينية في الأراضي المتنازع عليها وتحول إسرائيل إلى دولة ذات أغلبية فلسطينية. 

وظلت هذه المعضلة نقطة خلاف متجذرة على مدار أجيال. 

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أصدر تصريحات متناقضة بشأن حق العودة، ففي خطاب عام 2014 قال: “تريد العودة؟ ستعود”. بينما صرح عام 2018 بأنه لا يدعم حلاً لقضية اللاجئين يؤدي إلى “تدمير إسرائيل”. وفي وقت سابق من هذا العام،

خلال كلمته أمام الأمم المتحدة بمناسبة الذكرى السابعة والسبعين لاستقلال إسرائيل والنكبة الفلسطينية، أكد أن حق العودة “ثابت وغير قابل للتجاهل”. 

أما حركة حماس، التي تسعى لتدمير إسرائيل، فقد أكدت أن حق العودة هو جوهر أيديولوجيتها. إذ جاء في بيان لها عام 2017: “إن حق اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها أو مُنعوا من العودة إليها – سواء في أراضي 1948 أو 1967 – حق طبيعي لا يسقط بالتقادم”. 

وتظهر استطلاعات الرأي أن حق العودة هو ثاني أهم قضية لدى الرأي العام الفلسطيني بعد إنهاء الاحتلال. 

وتُموّل كل من فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تقدم الدعم للاجئين الفلسطينيين وأبنائهم منذ تأسيسها عقب حرب 1948. وتوفر الوكالة خدمات حيوية مثل التعليم والرعاية الطبية، وتشكل ركناً أساسياً في حياة المجتمع الفلسطيني. 

لكن منتقدين يرون أن الأونروا تُسهم في إدامة الصراع عبر دعمها لمفهوم حق العودة وتعريفها الموسع لمصطلح اللاجئ. 

فعلى عكس جميع فئات اللاجئين الأخرى في العالم، يُمنح وضع اللاجئ الفلسطيني تلقائياً لأحفاد من نزحوا عام 1948، بما في ذلك من حصلوا على جنسيات دول أخرى، مما يؤدي إلى تضخم أعداد اللاجئين بشكل مستمر. 

وتشير تقديرات الأونروا إلى وجود نحو 5.9 مليون لاجئ فلسطيني، بينهم 1.59 مليون في غزة وأكثر من 912 ألفاً في الضفة الغربية، فيما يعيش الباقون في الأردن وسوريا ولبنان. 

وينص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948 على السماح للفلسطينيين الراغبين في العودة بالقيام بذلك “في أقرب وقت ممكن”، فيما تؤكد الأونروا أن دورها يقتصر على تقديم الدعم لحين تنفيذ القرار، مشددة على أنها لا تملك صلاحية إعادة توطين اللاجئين على عكس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. 

ويُعرّف اللاجئون الفلسطينيون بأنهم “الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم المعتاد بين 1 يونيو 1946 و15 مايو 1948 وفقدوا منازلهم وسبل عيشهم نتيجة حرب 1948”.

ولم تُحدد الأونروا معنى “فلسطين” في تعريفها، بينما شمل مصطلح فلسطين قبل 1948 كامل أراضي الانتداب البريطاني بما فيها إسرائيل والضفة الغربية وغزة. 

وتبرز هنا مفارقة، إذ إن الدول التي اعترفت بفلسطين تواصل في الوقت نفسه تمويل برامج خاصة باللاجئين الفلسطينيين داخل الدولة المعترف بها. 

وتنص الاتفاقيات الدولية على أن اللاجئين يجب أن يكونوا خارج أوطانهم، بينما يُعرف من يفر من منزله داخل حدود بلده بأنه “نازح داخلي”، وهو وضع مختلف يخضع لمسؤولية الدولة نفسها. 

وقالت عينات فيلف، العضو السابقة في الكنيست والناقدة البارزة للأونروا: “هذا ببساطة غير منطقي – كيف يمكن لأشخاص وُلدوا في بلد ما أن يُعتبروا لاجئين من الجيل الخامس؟”. 

ولم تستجب الخارجية الفرنسية ولا بعثة البرتغال للتعليق على القضية، فيما امتنعت الخارجية البريطانية عن أي تعليق إضافي بخلاف إعلان رئيس الوزراء كير ستارمر الاعتراف بدولة فلسطين. وأكدت الخارجية الأسترالية استمرار دعمها للأونروا، معتبرة أن عملها يظل “حيوياً حتى إيجاد حل عادل ودائم لقضية اللاجئين”. 

كما شددت وزارة الشؤون العالمية الكندية على أن “الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين أساسي لتسوية الصراع”، مضيفة أن الأمر يتطلب تفاوضاً مباشراً بين الأطراف المعنية بما يحترم القانون الدولي. 

ويؤكد الموقع الرسمي للحكومة الكندية التزامها بقرار الأمم المتحدة 194 الداعم لحق العودة. 

وقالت فيلف في تصريحات لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”: “هذا جنون، فهذه الدول ركزت على قيام دولة فلسطينية لكنها تتعامل ببرود مع قضية اللاجئين الجوهرية”. 

وفي كتابها الصادر عام 2018 بعنوان حرب العودة، الذي شاركت في تأليفه مع الصحفي عدي شفارتس، اتهمت المجتمع الدولي بإدامة الصراع من خلال دعمه للأونروا وحق العودة، معتبرة أن ذلك يمنح الفكرة والوكالة غطاءً دولياً. 

وتعرضت الأونروا لانتقادات إضافية بعد اتهامات بمشاركة بعض موظفيها في هجمات 7 أكتوبر 2023، وكشف وجود مركز بيانات لحماس تحت أحد مقارها في غزة، إضافة إلى اتهامات بتضمين مناهجها التعليمية مضامين تُغذي التطرف. 

وفي الشهر الماضي، أوقفت فرنسا برنامج استقبال الفلسطينيين من غزة بعد أن تبين أن أحد الوافدين نشر منشورات معادية للسامية على الإنترنت. 

حسن النجار

حسن النجار : رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم الاخبارية والكاتب الصحفي والمفكر السياسي في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية باحث مشارك - بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو المكتب الفني للشؤون السياسية وعضو لجنة تقصي الحقائق بالتحالف المدني لحقوق الانسان لدي جامعة الدول العربية والنائب الاول لرئيس لجنة الاعلام بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان الدولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى