بقلم حسن النجار : إسبانيا تعيد تموضعها بالشرق الأوسط عبر القاهرة
الكاتب الصحفي والمفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون السياسية ورئيس تحرير جريدة الوطن اليوم
بقلم | حسن النجار
يُعد الموقف الإسباني تجاه ما يحدث في قطاع غزة من مجازر يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، الأقوى والأكثر احترامًا على مستوى أوروبا والعالم. وقد جسد الملك الإسباني فيليبي السادس هذا الموقف خلال زيارته الرسمية إلى مصر،
حين أدان «معاناة ملايين الأبرياء في غزة التي تحولت إلى أزمة إنسانية لا تحتمل، ومعاناة تفوق الوصف ودمار كامل لقطاع غزة».
الملك فيليبي، المعروف بندرة تدخله في القضايا الدولية، أكد أن «هذه الزيارة تأتي في وقت مضطرب ومأساوي تمر به المنطقة». وتكتسب تصريحاته أهمية خاصة بعدما اعترفت الحكومة الإسبانية بدولة فلسطين في مايو 2024 إلى جانب آيرلندا والنرويج،
لتصبح مدريد من أكثر الأصوات انتقادًا لسياسات بنيامين نتنياهو داخل الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أدى إلى توتر شديد في العلاقات الثنائية.
وتواصلت الخطوات الإسبانية الشجاعة باستدعاء مدريد سفيرها لدى إسرائيل، بعد إعلان الحكومة عن تدابير جديدة تهدف إلى «إنهاء الإبادة في غزة»، فيما لم يعد لإسرائيل سفير في إسبانيا منذ 2024.
كما شهدت مدريد مظاهرات حاشدة قاربت الـ100 ألف متظاهر دعماً للفلسطينيين، ما دفع السلطات لإلغاء المرحلة النهائية من طواف إسبانيا للدراجات. ولم يخفِ رئيس الوزراء بيدرو سانشيز «إعجابه العميق» بالمحتجين، بل اقترح استبعاد إسرائيل من المنافسات الرياضية الدولية، وفي مقدمتها كأس العالم 2026.
أما على مستوى العلاقات المصرية–الإسبانية، فقد جاءت زيارة الملك فيليبي السادس وزوجته الملكة ليتيزيا، برفقة وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس، لتفتح صفحة جديدة بعد غياب 17 عامًا عن الزيارات الملكية الرسمية.
وقد تبادل الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك الإسباني أرفع الأوسمة، في مشهد يعكس عمق التقدير المتبادل.
هذه الزيارة ليست احتفالية فقط، بل تعكس رغبة مدريد في إعادة التموضع بالشرق الأوسط عبر بوابة القاهرة، إذ ترى في مصر شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه بحكم موقعها ودورها المحوري.
فمصر برزت كوسيط رئيسي منذ اندلاع الحرب على غزة، من خلال فتح الممرات الإنسانية وإدارة المحادثات غير المعلنة والسعي لتثبيت التهدئة رغم التعقيدات، فيما تبنت إسبانيا نهجًا أكثر صرامة تجاه إسرائيل من غالبية الدول الأوروبية.
وتلتقي المواقف السياسية مع أبعاد اقتصادية وثقافية مهمة؛ حيث يتضمن برنامج الزيارة مشاركة في منتدى الأعمال المصري–الإسباني، بما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
أما البعد الثقافي، فيظهر عبر الزيارات المخططة إلى الأقصر والبعثات الأثرية المشتركة، بما يعزز صورة إسبانيا كشريك يحترم التراث الإنساني ويستثمر في المعرفة المشتركة.
تاريخيًا، تمتد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى عام 1922 حين أنشأت إسبانيا وفدًا في القاهرة، قبل ترقيته إلى سفارة عام 1949. وعلى مدار عقود،
جمعت الدولتين روابط وثيقة قائمة على الجغرافيا السياسية والتواصل الحضاري، وهو ما يجعل التنسيق بينهما عنصرًا أساسيًا في استقرار المتوسط.
ختامًا، تؤكد هذه الزيارة أن العلاقات المصرية–الإسبانية ليست مجرد تقارب عابر، بل خطوة استراتيجية في توقيت بالغ الحساسية،
إذ تمثل مصر بوابة إسبانيا للشرق الأوسط، فيما تجد القاهرة في مدريد شريكًا أوروبيًا متوازنًا يشاركها الرؤية تجاه القضية الفلسطينية ويمنحها مساحات أوسع للمناورة الدبلوماسية والاقتصادية.
من هو حسن النجار؟

حسن النجار كاتب وصحفي مصري، يشغل منصب ورئيس تحرير جريدة الوطن اليوم. متخصص في الشأن السياسي والتحليلات الاستراتيجية، ويولي اهتمامًا خاصًا بتوثيق إنجازات الدولة المصرية وتسليط الضوء على القضايا العربية والدولية من منظور مهني رصين.




