قبل وأثناء وبعد.. كواليس ضربة الدوحة بين قطر وإسرائيل وأمريكا ” الوطن اليوم ” تكشف التفاصيل

الشؤون السياسية الدولية – كتب | حسن النجار
جلس رئيس الوزراء القطري أمام خليل الحية، كبير مفاوضي حركة حماس، تحت العلم القطري ذي اللونين العنابي والأبيض مساء الاثنين. وكان الرجلان قد التقيا مرات عديدة في محادثات سابقة غالبًا ما باءت بالفشل، لكن هذه المرة بدت مختلفة.
فقد طرحت الولايات المتحدة اقتراحًا جديدًا لوقف إطلاق النار ينهي الحرب المستمرة منذ قرابة عامين في غزة. وكان الشيخ محمد بن عبد الرحمن يضغط على الحية للقبول بالمبادرة.




انتهت المناقشات قبيل التاسعة والنصف مساءً، وفقًا لمصدر مطلع، لكن العمل الحقيقي بدأ بعد مغادرة الحية، حيث تواصل المفاوضون القطريون مع نظرائهم الإسرائيليين هاتفيًا لإطلاعهم على جهود التهدئة.
وخلافًا لمعظم المقترحات التي جاءت من قطر ومصر كوسيطين رئيسيين مع واشنطن وتل أبيب وحماس، جاءت هذه الخطة مباشرة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وكان المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف قد التقى بالقطريين في باريس الأسبوع الماضي، حيث أبدى ترامب رغبة في تحقيق تقدم ملموس.
الأحد، أصدر ترامب ما وصفه بـ”إنذاره الأخير” لحماس لقبول الصفقة، مدعيًا أن إسرائيل وافقت، فيما اكتفى المسؤولون الإسرائيليون بالقول إنهم “يدرسون المقترح بجدية”.
لكن قبل أن ينقضي الوقت المحدد، قصفت صواريخ إسرائيلية مبنى سكنيًا في الدوحة، رجحت المخابرات الإسرائيلية أنه يضم قادة بارزين من حماس.
وبحسب شبكة CNN، تحدث أكثر من 12 مسؤولًا ومصدرًا من قطر وإسرائيل والولايات المتحدة لكشف التسلسل الزمني للأحداث التي قد تُعيد رسم ملامح المنطقة. ففي ضربة واحدة، وضعت مصداقية واشنطن على المحك، وغضبت قطر وجيرانها، بينما فوجئت الولايات المتحدة، في حين لم تُصدر إسرائيل أي اعتذار.
أشهر من التحضير للهجوم
لأكثر من شهرين، خططت إسرائيل لاستهداف قادة حماس في الدوحة. فقد أصبحت العاصمة القطرية مركزًا لمحادثات التهدئة وتحرير الرهائن، إضافة لكونها مقرًا يقيم فيه كبار قادة الحركة.
منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت إسرائيل أنها ستستهدف قيادة حماس في الداخل والخارج. وسبق أن نُفذت اغتيالات في إيران ولبنان، لكن ضربة قطر مثلت استهدافًا مباشرًا لدولة ذات سيادة تستضيف قاعدة العديد الجوية الأمريكية، ما جعل الخطوة أكثر خطورة.
ورغم أن قطر تعهدت لواشنطن عام 2024 بطرد قادة حماس، بقي كثيرون منهم في الدوحة، ومن بينهم خليل الحية. وفي المقابل، عززت الدوحة علاقاتها مع الولايات المتحدة، إذ صنفها الرئيس السابق جو بايدن عام 2022 كـ”حليف رئيسي من خارج الناتو”.
كما تطورت العلاقات القطرية ـ الإسرائيلية سابقًا، حيث سمحت تل أبيب عام 2018 بتحويل مئات الملايين من الدولارات إلى غزة عبر قطر، لكن مع اندلاع الحرب تدهورت العلاقة بشكل حاد.
قرار التنفيذ رغم التحفظات
خلصت الحكومة الإسرائيلية إلى أن ضرب قطر يستحق المخاطرة، وسرّعت في التخطيط للمهمة. لكن رئيس الأركان إيال زامير ورئيس الموساد دافيد برنياع أبديا تحفظات على التوقيت، خصوصًا أنه تزامن مع طرح المبادرة الأمريكية. ومع ذلك، تجاهل نتنياهو اعتراضاتهما وأعطى الضوء الأخضر للعملية.
كان الهدف الرئيسي هو خليل الحية، وأجّلت إسرائيل التنفيذ ليوم واحد للتأكد من وجوده. وجاءت الموافقة النهائية ساعات فقط قبل الضربة.
إخطار واشنطن جاء متأخرًا
عصر الثلاثاء، أقلعت أكثر من عشر طائرات مقاتلة إسرائيلية نحو قطر. وفي الساعة 3:46 مساءً، أصابت القذائف مبنى سكنيًا في قلب الدوحة فيما وصفته تل أبيب بأنه “ضربة دقيقة”.
لكن إسرائيل أخطرت الولايات المتحدة قبل دقائق فقط من التنفيذ. فأبلغ رئيس الأركان الأمريكي دان كين ترامب، الذي بدوره أخطر المبعوث ويتكوف، ثم أبلغ القطريين. وبحلول ذلك الوقت، كانت الضربة قد وقعت بالفعل.
ردود الفعل المتباينة
سارعت إسرائيل لتحمل المسؤولية الكاملة، محاولة إبعاد واشنطن عن العملية. لكن رئيس الوزراء القطري وصف الهجوم بأنه “إرهاب دولة”، مؤكدًا أن نتنياهو يسعى لتقويض أي فرصة للسلام.
أما ترامب فأبدى “عدم رضاه الكامل” عن الهجوم، بينما انتقدت المتحدثة باسم البيت الأبيض “العمل الأحادي داخل قطر الحليفة”.
وفي المقابل، رأت إسرائيل أن الهجوم يقرب من نهاية الحرب، لكن حماس أعلنت مساء الثلاثاء أن الغارة فشلت في استهداف الحية، وأسفرت فقط عن مقتل خمسة من عناصرها إضافة إلى أحد أفراد الأمن القطري.
وبحلول صباح الأربعاء، شكك المسؤولون الإسرائيليون في جدوى العملية، ليتحول التشكيك سريعًا إلى تشاؤم بعد اتضاح أن الضربة لم تحقق أهدافها، وأنها لم تكن دقيقة كما وُصفت.