بقلم حسن النجار .. الحقيقة الغائبة بين كتابة التاريخ والهوى 

بقلم | حسن النجار  

في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، عاشت مصر حقبة طويلة من الركود السياسي والفساد الإداري، كان فيها التاريخ يُكتب حسب هوى السلطة ومزاج الكاتب. لم تكن الكتابة التاريخية آنذاك تعبيرًا عن الحقيقة،  

بل وسيلة لتلميع النظام وتبرير سياساته، فاختلط فيها التوثيق بالتطبيل، وغابت عنها الموضوعية التي تُبنى عليها الأمم الواعية بتاريخها. أصبح المؤرخ الرسمي موظفًا يكتب ما يُملى عليه، لا ما رآه أو تحقق منه، فتحولت صفحات التاريخ إلى مرايا مزيّفة تعكس ما أراده الحاكم لا ما عاشه الشعب. 

ثم جاءت ثورة 25 يناير 2011 لتكشف عن فجوة هائلة بين من يكتب للتاريخ ومن يكتب بالانفعال. فهناك من اعتبرها أعظم ثورة شعبية عرفتها مصر الحديثة، نادت بالحرية والكرامة،

وهناك من وصفها بأنها مؤامرة أجنبية لتفكيك الدولة وإسقاط مؤسساتها. وفي خضم هذه السرديات المتناقضة، فقدت الحقيقة توازنها، وظهرت كتابات آنية تتغير بتغير المواقف والمصالح. 

وعندما اندلعت ثورة 30 يونيو 2013، تكررت الظاهرة ذاتها؛ فالبعض رآها انتفاضة وطنية ضد الفاشية الدينية، وأن الجيش فيها كان حاميًا لإرادة الشعب، فيما رآها آخرون انقلابًا عسكريًا أجهض التجربة الديمقراطية.  

وبين الرأيين، ضاعت الموضوعية من جديد، وتحولت كتابة التاريخ إلى ساحة صراع أيديولوجي أكثر منها بحثًا عن الحقيقة. 

لكن الحقيقة التاريخية لا تُكتب في لحظتها، بل تتكشف مع مرور الزمن، حين تُفتح الوثائق الرسمية وتُراجع الأدلة بعين الباحث لا بلسان الموالي أو المعارض.

فالأرشيفات البريطانية والأمريكية والمصرية تحتفظ بكمٍّ هائل من المعلومات الدقيقة عن أحداث تلك العقود، وسيأتي يوم تُنشر فيه هذه الوثائق ليُعاد رسم الصورة الكاملة بعيدًا عن العاطفة والانحياز. 

إن ما يُكتب اليوم من مقالات أو شهادات أو كتب، هو مجرد ملاحظات وقتية تتبدد بمرور الأعوام، بينما يبقى التاريخ الحقيقي في أيدي المؤرخين الجادين الذين لا ينتمون إلا إلى ضميرهم. فمصر،

بتاريخها العريق الممتد عبر آلاف السنين، لا تحتاج إلى من يزيف ماضيها أو يمجّد حكامها، بل إلى من يسرد وقائعها بصدق وأمانة ليحفظ للأجيال القادمة دروسها الحقيقية. 

حفظ الله مصر حفظ الله الوطن حفظ الله الجيش المصري وشهدائنا الابرار