بقلم حسن النجار.. مدينة شرم الشيخ المصرية تصنع سلام التاريخ
المفكر السياسي حسن النجار رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم والمتخصص في الشؤون السياسية الدولية


بقلم | حسن النجار
تثبت مدينة شرم الشيخ مجددًا أنها تستحق عن جدارة لقب “مدينة السلام”، فهي ليست مجرد وجهة سياحية تطل بجمالها على البحر الأحمر، بل منارةٌ عربيةٌ ودوليةٌ للعقل والدبلوماسية، ومركزٌ متجدد للحكمة السياسية التي تجمع ولا تفرق، وترفع صوت الحوار فوق صخب الصراع.
لقد أصبحت شرم الشيخ منصةً للتوازن الدبلوماسي، تلتقي فيها المصالح السياسية مع الضمير الإنساني، وتبرز فيها القيادة المصرية بدورها المحوري في إدارة الأزمات الإقليمية بوعي استراتيجي ومسؤولية تاريخية، لتؤكد أن مصر لا تكتفي بنداءات التهدئة، بل تصنع مسارات السلام بجهد واقعي وإرادة صلبة.
ومؤخرًا، احتضنت شرم الشيخ جولات حوار دقيقة ومعقدة جمعت الأطراف المتنازعة تحت مظلة الرعاية المصرية الحكيمة، في مسعى صادق لوقف نزيف الدم الفلسطيني، وإعادة الحياة إلى غزة التي أنهكتها الحرب.
جاءت هذه الجهود امتدادًا لرؤية إنسانية ودبلوماسية راقية تؤكد أن مصر حين تتدخل تفعل ذلك بصوت الضمير العربي، وبصفتها ركيزة الاستقرار الإقليمي، لتجعل من السلام فعلًا واقعيًا لا شعارًا عابرًا.
ومن قلب المدينة التي تنبض بالسلام، تم التوصل إلى الاتفاق التمهيدي لخطة السلام التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إطار مسار تفاوضي اتسم بتشابك المصالح الإقليمية والدولية. غير أن الإدارة المصرية،
بفضل القيادة الرئاسية الواعية والدبلوماسية الهادئة، وبدعم من جهاز المخابرات العامة الذي أدار الخيوط الدقيقة خلف الكواليس، نجحت في تحويل اللقاء من تفاهم محدود إلى منعطف تاريخي أعاد الأمل في التعايش واستعادة روح السلام المفقودة.
لقد جسدت مصر من خلال هذا الدور عبقرية الدبلوماسية الرئاسية التي تمزج بين الحزم والإنسانية، وبين الواقعية السياسية والالتزام الأخلاقي، لتعيد صياغة مفهوم الوساطة العربية، وتحولها من مجرد جهد توفيقي إلى رؤية استباقية تستشرف المستقبل. وهكذا أكدت أن مصر هي القلب النابض للأمة العربية، تضخ الأمل في أزماتها، وتنثر الحكمة في دروبها.
تتمحور التسوية التي تم التوصل إليها حول هدفين رئيسيين يشكلان أساس أي حل عادل ومستدام:
الأول، الوقف الفوري لإطلاق النار حمايةً للأرواح البريئة وتهيئةً لتدفق المساعدات الإنسانية وفتح المعابر وتبادل الأسرى والمعتقلين كخطوة لبناء الثقة.
أما الثاني، فهو الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية من بعض مناطق القطاع تمهيدًا لإنهاء الاحتلال الفعلي، مع وضع ضمانات أمنية وإنسانية متبادلة، تتيح إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة وتوفير حد أدنى من الأمان والاستقرار للسكان.
كما تتضمن التسوية آليات إشراف وضمانات دولية وإقليمية لمراقبة الالتزام بالاتفاق ومنع أي خروقات محتملة، وجدولًا زمنيًا واضحًا لمراحل التنفيذ وفق قرارات الشرعية الدولية. ومن خلال هذا المسار، تثبت مصر أن السلام هو أرقى أشكال القوة العقلانية، وأن حماية الإنسان هي الغاية الأسمى لأي سياسة رشيدة.
وتبرز الخطة كاختبار حقيقي للضمير الدولي، إذ تؤكد أن السلام لا يقوم فقط على توازن السلاح، بل على توازن الكرامة والعدالة. ومصر تدرك أن الإنسان هو جوهر أي تسوية، لذلك ترفض أي تهجير قسري، وتصر على تدفق المساعدات دون قيود، لتعيد إلى السياسة معناها الأخلاقي، وتربط القرار بالضمير الإنساني.
من خلال هذا الدور، تمارس القاهرة قيادة دبلوماسية رشيدة تعبر عن فهم عميق لطبيعة الصراع وتعقيداته، وتسعى لصيغة تحقق الأمن والاستقرار للجميع في إطار من العدالة والإنصاف.
وبفضل مصداقيتها الدولية وعلاقاتها المتوازنة، أصبحت مصر الوسيط العاقل والصامت الذي يمد الجسور بين الأطراف كافة، من حركة حماس إلى إسرائيل مرورًا بالقوى الإقليمية والدولية، لتكون جسرًا نحو سلام مستدام يقوم على الحوار والتفاهم.
وقد جسد الرئيس عبد الفتاح السيسي البعد الإنساني في إدارة الأزمة، فجمع بين الحزم والعقلانية،
وجعل من مصر الضمير الأخلاقي للأمة العربية وصوتها الإنساني في زمن المآسي، حيث كانت في طليعة الإغاثة، وفتحت المعابر الإنسانية، واستقبلت الجرحى وسهلت وصول المساعدات، مما عزز مصداقيتها السياسية والإنسانية.
وفي الوقت نفسه، حافظت القاهرة على اتصال متوازن مع جميع الأطراف، لتؤكد أن الدبلوماسية الحقيقية هي فن الموازنة بين المصالح الوطنية والقيم الإنسانية، وأن القيادة الرشيدة هي التي تصنع التوازن في عالمٍ تمزقه المصالح وتبحث فيه الشعوب عن صوت عاقل يعيد للسلام معناه الإنساني.
صحيح أن طريق السلام مليء بالتحديات، وأن الاتفاقات تبقى هشة ما لم تُدعَم بالثقة والإرادة الصادقة، لكن مصر بخبرتها العميقة ووعيها التاريخي تدرك أن السلام يُبنى بالصبر والإصرار، وأن قوتها الحقيقية تكمن في قدرتها على أن تكون صانعة للسلام وحارسةً لمعناه الإنساني.
حفظ الله مصر، أرض الحضارات ومهد الرسالات، وحفظ قيادتها الحكيمة التي ترفع راية السلام والمسؤولية في زمن التحديات، وبارك في مؤسساتها الوطنية وشعبها الأبي الذي لا يعرف الانكسار، لتبقى مصر – كما شاء الله لها – درع الأمة وضميرها الحي، تبني بالوعي وتمضي بالعزيمة نحو مستقبل يليق بتاريخها المجيد.
حفظ الله مصر حفظ الله الوطن حفظ الله الجيش المصري