مقالات ورأى

بقلم مي الكاشف: بيت الطاعة وصمة قانونية ضد المرأة 

الكاتبة الصحفية مي الكاشف تعمل لدي جريدة الوطن اليوم في مجال الشؤون السياسية الدولية

بقلم | مي الكاشف  

ينهض هذا المقال لمناقشة فلسفة بقاء قانون يُعد من أكثر القوانين إجحافًا في حق المرأة والمجتمع المصري، وهو قانون «بيت الطاعة». 

فالقوانين وُجدت لتحقيق العدالة وتنظيم العلاقات الإنسانية، لا لفرض السيطرة أو إرغام طرف على حياة لا يريدها. إلا أن قانون «بيت الطاعة» يجعل المرأة أمام خيارين أحلاهما مر: إما الرضوخ والعودة إلى بيت الزوجية رغم إرادتها، أو مواجهة عقوبات قاسية واتهامها بالنشوز، وكأن القانون صُمم لإجبارها على القبول بأوضاع مُهينة. 

تتساءل الكاتبة: هل يُعقل أن تستمر المرأة في دفع أثمان الإقصاء الاجتماعي والثقافي، في ظل سيطرة عقلية أبوية تُقصيها من حق تقرير مصيرها؟ فالانتقاص من حقوق المرأة لا يعود إلى عجز ذاتي، بل إلى منظومة تُصر على فرض الوصاية والسيطرة عليها. 

ظنَّ كثيرون أن قانون «بيت الطاعة» أُلغِي، لكن الحقيقة أن طريقة تنفيذه فقط جرى تعديلها، بحيث يحق للمرأة الاعتراض خلال 30 يومًا من صدور الحكم. ومع ذلك، يظل جوهر القانون قائمًا على فكرة أن المرأة يجب أن “تعيش وكفى”، وكأن السماح لها بالحياة هو منّة من المجتمع، لا حق أصيل لها. 

فالمرأة التي ترفض العيش في بيت لم يعد فيه وفاق، وتختار كرامتها على حساب الخضوع، تُجبر على التنازل عن جميع حقوقها المالية، فقط لأنها رفضت رجلًا ما،

وكأنها لا تملك حق الاختيار. والمأساة أن كثيراتٍ لا يستطعن تحمّل أعباء الحياة وحدهن، فيضطررن للرضوخ، مكرهاتٍ، إلى ما يسمى بـ«بيت الطاعة»، في ظل ظروف معيشية قاسية، ومسكن يفتقر إلى أبسط مقومات الكرامة. 

يفترض هذا القانون، ومعه المجتمع، أن المرأة لا تعرف ما تريد، وأنها بحاجة دائمة لوصاية الرجل، تحت ذريعة أنها “عاطفية وغير عقلانية”. وهي خطابات واهية تُستخدم للسيطرة وتبرير الإخضاع. 

ويُعَد «بيت الطاعة» من أكثر القوانين إثارة للجدل، لأنه يقوم على مفهوم تقليدي للطاعة الزوجية، ويمنح الزوج حق رفع دعوى لإلزام زوجته بالعودة إلى مسكن الزوجية إن غادرته دون مبرر شرعي. وبدل أن ينظم العلاقة على أساس المودة والتفاهم، يستخدم كأداة قانونية لنفي إرادة المرأة وإجبارها على الخضوع. 

كما أن الهدف الحقيقي من هذا القانون لا يقتصر على عودة الزوجة جسديًا، بل يمتد لإسقاط حقها في النفقة إذا صدر حكم بنشوزها، وهو تهديد صريح يجعلها تقبل علاقات زوجية مسيئة خوفًا من الفقر أو فقدان مصدر دخلها. 

ويتعارض هذا القانون مع المواثيق الدولية والدساتير الحديثة، التي تؤكد على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، إذ يُعيد المرأة إلى موقع التابع، القاصر على الدوام. 

فالعنف ليس ماديًا فقط، بل نفسيًا ومعنويًا أيضًا، وكثير من النساء يُجبرن على البقاء في بيئة سامة لا يمكن إثبات ضررها قضائيًا. كما أن إسقاط النفقة عن المرأة العاملة أو المعيلة ظلم مضاعف، لأنها تتحمل العبء الأكبر في رعاية الأسرة. 

لقد ألغت دول كثيرة هذا النوع من القوانين واستبدلته بتشريعات أكثر عدلًا، تركز على واجب الزوج في الإنفاق والتعويض المادي عند الطلاق، دون إرغام المرأة على حياة لا تريدها. 

إن التشريعات التي تربط حق المرأة في النفقة أو المسكن بطاعتها الزوجية، تُكرس مفاهيم بالية تتنافى مع كرامتها الإنسانية. والعلاقة الزوجية يجب أن تُبنى على الاحترام والمودة لا على الإخضاع والتبعية، مع ضمان حق الطرفين في الطلاق أو الخلع مع الحفاظ على الحقوق الكاملة. 

ختامًا، تؤكد الكاتبة أن إلغاء قانون «بيت الطاعة» أو تعديله بشكل جوهري هو خطوة ضرورية نحو تشريعات تعكس مكانة المرأة الحقيقية في المجتمع الحديث،

داعيةً إلى تمثيل النساء – القاضيات والنسويات – بنسبة لا تقل عن نصف أعضاء لجان التشريع، لأن وعيهن الحديث هو الضامن لعدالة أكثر إنصافًا وواقعية. 

حسن النجار

حسن النجار : رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم الاخبارية والكاتب الصحفي والمفكر السياسي في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية باحث مشارك - بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو المكتب الفني للشؤون السياسية وعضو لجنة تقصي الحقائق بالتحالف المدني لحقوق الانسان لدي جامعة الدول العربية والنائب الاول لرئيس لجنة الاعلام بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان الدولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى