الشؤون السياسية الدولية

مراقبون ومحللون .. من القاهرة إلى شرم الشيخ.. كيف قادت مصر الوساطة لإنهاء حرب غزة؟ 

كتب | حسن النجار  

شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية لحظة تاريخية بتوقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خطة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، خلال القمة العالمية التي استضافتها مصر بمشاركة أكثر من عشرين من قادة العالم.  

وقد أعاد هذا الحدث تسليط الضوء على الدور المحوري الذي لعبته القاهرة في إنجاز الاتفاق، بعد محاولات متعثرة استمرت عامين لإنهاء الحرب، مؤكداً مكانتها كوسيط وضامن أساسي إلى جانب الولايات المتحدة وقطر وتركيا. 

يرى خبراء ومحللون  ومرقبون خلال تصريحات لـ” الوطن اليوم ” أن نجاح الوساطة المصرية لم يأتِ من فراغ، بل هو امتداد لتاريخ طويل من ارتباط مصر بالصراع العربي الإسرائيلي،

وانطلاق من إدراك عميق بأن أمن غزة جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري وله انعكاسات مباشرة على الاستقرار الداخلي سياسياً واقتصادياً. 

يقول السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن “التحرك المصري لوقف الحرب على غزة يأتي ضمن رؤية أشمل ترتبط بحماية الأمن القومي المصري ودعم القضية الفلسطينية في آن واحد”،  

بينما يؤكد الباحث السياسي عمرو صلاح الدين من جامعة جورج ماسون الأمريكية أن “مصر هي الدولة الأكثر تأثراً بما يحدث على حدودها الشرقية، ولذلك كان لا بد أن تتصدر جهود الوساطة”. 

من رفض التهجير إلى اتفاق شرم الشيخ 

يوضح السفير هريدي أن “مصر، منذ اندلاع الحرب، عملت دون كلل لإنهائها”، مذكّراً بمؤتمر القاهرة للسلام في أكتوبر 2023، حين أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي رفضه القاطع لأي خطة لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو الأردن، وهو المقترح الذي كان مطروحاً في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن. 

ويضيف أن القاهرة رسخت منذ ذلك الوقت دورها كوسيط رئيسي، وشاركت مع قطر والإدارتين الأمريكية السابقة والحالية في صياغة اتفاقات للهدنة، أبرزها هدنة نوفمبر 2023 التي استمرت أسبوعاً، قبل أن تفشل إسرائيل في تمديدها. 

وفي يناير 2024، طرحت مصر لأول مرة خطة من ثلاث مراحل: تشمل تبادل الأسرى، ووقف الحرب، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، تليها عودة النازحين وبدء إعادة الإعمار.  

وهي الصيغة ذاتها التي تبناها بايدن في مايو 2024، وتطورت لاحقاً لتصبح الأساس الذي بُني عليه اتفاق يناير الماضي، وصولاً إلى الهدنة التي مهدت لاتفاق شرم الشيخ الأخير. 

ويؤكد هريدي أن “مصر أصبحت مركز اهتمام دولي، ليس فقط لاستضافتها القمة وتوقيع الاتفاق، بل لاستمراريتها طوال عامين كوسيط فاعل يسعى بجدية لإنهاء هذه الحرب المدمرة”. 

مكاسب مصر بعد القمة وتحديات التنفيذ 
مكاسب مصر بعد القمة وتحديات التنفيذ

مكاسب مصر بعد القمة وتحديات التنفيذ 

يقول الزميل والكاتب الصحفي خالد داوود، مدير تحرير الأهرام ، إن المواقف المصرية والأمريكية لم تكن دوماً متناغمة، خاصة بعد تصريحات ترامب في ولايته الثانية حول التهجير.

لكنّ إدراك واشنطن والدول الكبرى لثقل الدور المصري جعلها تتعامل بواقعية مع القاهرة، التي أصرت على حماية سيادتها ورفض أي حلول تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني. 

ويرى الباحث عمرو صلاح الدين أن “مشهد القمة في شرم الشيخ شكّل لحظة فخر وطني، حتى لدى بعض المعارضين، لما يحمله من عودة واضحة للدور الإقليمي المصري”،

مضيفاً أن الاتفاق يمنح مصر استقراراً نسبياً قد ينعكس إيجابياً على الاقتصاد، ويعزز قدرتها على الحوار مع القوى الكبرى حول ملفات إقليمية حساسة. 

ما بعد الاتفاق الطريق إلى الدولة الفلسطينية 
ما بعد الاتفاق الطريق إلى الدولة الفلسطينية

أما خالد داوود فيشير إلى أن “انعقاد القمة في شرم الشيخ بمشاركة عشرات القادة سيشجع على توسيع التعاون السياسي والاقتصادي مع مصر، خاصة في ظل تراجع إيرادات قناة السويس بأكثر من 50% بسبب الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، وتراجع أعداد السائحين”. 

ويضيف داوود: “الشعب المصري يشعر بالفخر لأن الاتفاق وُقّع على أرضه، وهو ما يعزز الثقة في السياسة الخارجية المصرية، ويمهد لانتعاش اقتصادي مرتقب”. 

ما بعد الاتفاق: الطريق إلى الدولة الفلسطينية 

يرى داوود أن “القاهرة نجحت في إعادة تموضعها كقوة إقليمية لا غنى عنها”، مشيراً إلى أن واشنطن خففت من لهجتها بشأن ملفات مثل حقوق الإنسان والديمقراطية بعد أن أدركت أن الدور المصري أصبح حيوياً لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وهو ما انعكس في رفع الحظر عن المساعدات الأمريكية واستئنافها بالكامل لأول مرة منذ سنوات. 

أما عمرو صلاح الدين فيحذر من أن “تحقيق الاستقرار الدائم يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، خاصة مع وجود ملفات معقدة مثل مستقبل حكم غزة وسلاح حماس وآلية الانتخابات الفلسطينية المقبلة”،

داعياً إلى استمرار التنسيق بين مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة لضمان تنفيذ الاتفاق وتجنب اندلاع جولة جديدة من الصراع. 

ويختتم داوود بالقول إن “توقيع الاتفاق في شرم الشيخ بحضور ترامب كان خطوة ذكية، تمنح الاتفاق ضمانة أمريكية قوية لاستكمال مراحله، وصولاً إلى الهدف الأسمى: إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة”. 

حسن النجار

حسن النجار : رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم الاخبارية والكاتب الصحفي والمفكر السياسي في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية باحث مشارك - بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو المكتب الفني للشؤون السياسية وعضو لجنة تقصي الحقائق بالتحالف المدني لحقوق الانسان لدي جامعة الدول العربية والنائب الاول لرئيس لجنة الاعلام بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان الدولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى