بقلم | حسن النجار
فى لحظة يمتزج فيها الدم بالصمت، والدموع بالغبار، انطلق من قلب القاهرة صوتٌ لا يشبه سواه، صوت قائدٍ أدرك حجم المأساة، ورأى بعينيه ما تعجز الكلمات عن وصفه: طفلٌ يبحث عن أمٍ تحت الركام، وأمٌ تصرخ وسط أنقاض لا يسمعها أحد.
لم يكن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى حديثًا سياسيًا معتادًا، بل كان صرخة إنسانية مدوية، محاولة لإيقاظ ما تبقى من ضمير عالمى فى عالم بات الموت فى غزة فيه خبرًا عابرًا على الشاشات.
“الوضع فى غزة لا يُطاق”.. جملة اختصر بها الرئيس وجعًا عمره شهور، منذ السابع من أكتوبر، حيث تئن غزة تحت وطأة حرب لا ترحم، بينما كثيرون يلوذون بالصمت أو يبررونه، أما مصر فلم تغلق قلبها ولا حدودها، بل واجهت المستحيل بصبر وعمل متواصل.
رفع الرئيس ثلاث رايات إنسانية: وقف الحرب، إدخال المساعدات، الإفراج عن الرهائن. أهداف لا تعرف التسييس، بل تعكس إرادة إنقاذ أرواح، وسط صخب التصريحات وتقاطع المصالح الدولية، جاء الموقف المصرى ثابتًا، داعمًا لحل الدولتين، ورافضًا لأى وهم يُبنى على فوهة بندقية.
الرئيس السيسى لم يكتف بالكلمات، بل رسم خريطة للإنقاذ: ما بين 600 إلى 700 شاحنة مساعدات يجب أن تدخل غزة يوميًا لإنقاذ ما تبقى من الحياة، مؤكدًا أن مصر لم تكن يومًا عقبة، بل كانت وما زالت المعبر الذى يحمل الخبز والحليب والدواء لأهالى غزة، رغم التعقيدات التى تفرضها الظروف والتنسيقات الدولية المعقدة.
وفى لحظة إنسانية خالصة، وجّه الرئيس السيسي نداءً للعالم، وتحديدًا إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب:
“من فضلك، افعل كل ما يمكنك لإنهاء الحرب”.
لم يكن نداءً سياسيًا، بل صرخة وجدان، تعبير عن مسئولية تاريخية يجب على من يملك القرار أن يتحملها.. صرخة تقول: كفى دماءً، كفى صمتًا، كفى حروبًا.
خطاب الرئيس لم يكن تبريرًا لموقف، بل كشفًا لحقيقة مغيّبة: أن هناك مساعدات جاهزة، تنتظر فقط أن تُفتح لها المعابر. مصر لا تمانع، ولا تعرقل، بل تنتظر وتُنسق وتُصبر، وكأنها تهمس للعالم: لا تتركوا الأبرياء يموتون بينما تتفاوضون على المعابر.
فى زمن اختلطت فيه المعايير، وتاهت فيه القيم، يبقى صوت الإنسانية هو البوصلة الوحيدة. وموقف مصر، كما عبّر عنه الرئيس، هو موقف من لا ينتظر شكرًا، بل يسعى فقط لإيقاف نزيف الموت.
نعم، الوضع فى غزة لا يُطاق. أطفالٌ يموتون بلا ذنب، وأمهاتٌ لا يجدن طريقة لإخفاء الحزن عن من تبقى من أبنائهن، وفى هذا السواد، لا بد لصوت العدالة أن يعلو فوق كل الحسابات.
ومع كل هذا، تظل مصر واقفة، شامخة، تنادى من أجل غزة، تمد يدها عبر الركام، وتخاطب العالم بنداء أخير:
“ارفعوا الحصار عن القلوب قبل المعابر، افتحوا طريق الحياة قبل أن تُطفئ الحرب آخر شمعة فى غزة”.حفظ الله مصر حفظ الله الوطن حفظ الله الجيش ؟