7:58 ص8 أغسطس، 2025

بقلم حسن النجار: مشاهدات تبتلع القيم والأخلاق؟  

بقلم | حسن النجار  

لم يعد العابر في الشارع يخشى اللصوص كما يخشى هاتفًا مرفوعًا وعدسة تترصده، فقد أصبحت الجريمة مجرد مشهد تمثيلي، والضحايا مجرد “كومبارس” في عرض زائف، والخطف مشهد مكتوب، والسرقة مجرد لقطة قابلة للمونتاج، أما المخرج الأول –وربما الوحيد– فهو عدد المشاهدات.

في زمن المنصات المفتوحة، بات “الترند” هو الكعبة التي يُطاف حولها، حتى لو كان الثمن طعنة نجلاء في خاصرة القيم والمجتمع. حفنة من الشباب امتهنوا صناعة الوهم، يقلدون المآسي بحرفية تتفوق على كاميرات السينما، لا بحثًا عن رسالة بل سعياً وراء الأرباح الرخيصة.

طفل يُختطف في وضح النهار، امرأة تُسحل في زقاق ضيق، عراك وهمي ينتهي بانفلات أخلاقي على مرأى ومسمع الجميع، والجماهير تصفق من خلف الشاشات، والمال يتدفق من على منصات اعتادت أن تتغذى على الانحطاط.

لكن وسط هذا العبث، جاءت وزارة الداخلية لا بكاميرا ولا بعدسة، بل بإجراء قانوني حازم أعاد المشهد إلى واقعه الحقيقي، حين ضبطت المتورطين وكشفت زيف “السيناريو”. فرح الناس، ليس فقط لأن القانون تحرك، بل لأن الوعي بدأ يستيقظ.

المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في مشاهد مفبركة، بل في ثقافة مريضة بدأت تغلف الابتذال بورق الشهرة، حيث أصبح الحلم أن تصبح “مؤثرًا” بعدد متابعين، لا بعلم أو خلق أو عمل نزيه.

لسنا ضد حرية التعبير، لكننا بحاجة إلى إعادة تعريف للحرية نفسها، فهي ليست حرية من الأخلاق، ولا من الحياء، بل حرية من الانحدار.

علّموا أبناءكم أن الرزق لا يأتي من فتحة كاميرا تبتلع الفضائح، بل من عقل يزرع الوعي، ومن يد تعرف طريق الشرف والعمل.

في زمن المشاهدات… لا تكن مجرد مشاهد. 

معلومات عن الكاتب

حسن النجار

حسن النجار : رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم الاخبارية والكاتب الصحفي والمفكر السياسي في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية باحث مشارك - بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو المكتب الفني للشؤون السياسية وعضو لجنة تقصي الحقائق بالتحالف المدني لحقوق الانسان لدي جامعة الدول العربية والنائب الاول لرئيس لجنة الاعلام بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان الدولية .

اترك تعليقاً