بقلم عزة كمال: مصر تفتح صفحة إنجاز جديد
بقلم | عزة كمال
قصة الوطن لا تبدأ من اليوم، لكنها تُكتب كل يوم بحبر الإرادة والعمل، تُسطر على جدران التاريخ وتُستكمل فى كل مشروع يحمل اسم مصر بصدق وفخر.
لم يكن المتحف المصرى الكبير مشروعاً عادياً، فمنذ وضع حجر الأساس عام 2002 واجه سلسلة من التحديات، من بينها ثورة يناير والتغيرات الاقتصادية التى عطّلت خطط الافتتاح أكثر من مرة.
وقد تجاوزت تكلفة المشروع مليار دولار، ليصبح أكبر متحف أثرى مخصص لحضارة واحدة فى العالم، يمتد على مساحة تُقارب 500 ألف متر مربع، منها 92 ألف متر مخصصة للعرض المتحفى وحده.
ومع كل تأجيل، لم يتراجع الحلم بل ازداد وضوحاً، فكل عام كانت تتكشف طبقة جديدة من الإصرار والعزيمة، حتى أصبح المتحف المصرى الكبير نموذجاً لإدارة المشاريع الوطنية الكبرى التى لا تعرف التوقف رغم الصعوبات.
شارك فى تشييده أكثر من خمسين شركة مصرية وعالمية، وبمساهمة آلاف المهندسين والعمال والخبراء فى مجالات الترميم والإنشاء والنقل الأثرى. وكانت كل قطعة تُنقل من المتحف القديم إلى الجديد قصة جديدة تُضاف إلى سجل التحدى والإنجاز.
واليوم، بعد أكثر من عشرين عاماً من العمل المتواصل، يفتح المتحف أبوابه ليقدم للعالم تجربة متحفية استثنائية تُبرز عبقرية الإنسان المصرى القديم وقدرة المصرى المعاصر على البناء والاستمرار. يضم المتحف أكثر من مائة ألف قطعة أثرية،
من بينها المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون التى تُعرض لأول مرة فى مكان واحد، إلى جانب قاعات تفاعلية وحدائق مفتوحة ومسارات تعليمية للأطفال والزائرين من مختلف الثقافات.
إن افتتاح المتحف المصرى الكبير ليس مجرد حدث ثقافى، بل هو إعلان واضح أن مصر قادرة على تحويل التحدى إلى إنجاز، وأن قوتها لا تُقاس بعدد جيوشها فقط، بل بقدرتها على حماية حضارتها وصياغة مستقبلها بثقة وثبات.
ويأتى هذا الافتتاح فى لحظة دقيقة بعد اتفاق غزة الذى رعته مصر بحكمة وموقف ثابت يجسد دورها التاريخى فى حفظ السلام. فبينما تتراجع دول كثيرة عن مسئولياتها،
تبقى مصر على عهدها، توازن بين قوتها الصلبة وحكمتها الدبلوماسية، وتؤكد أن من يبنى السلام هو من يملك القوة الحقيقية.
المتحف المصرى الكبير فى جوهره ليس مجرد صرح أثرى، بل رسالة مفتوحة إلى العالم بأن مصر التى شيّدت الأهرامات لا تزال قادرة على صناعة الإنجاز فى زمن الأزمات. وحين تفتح أبواب متحفها الجديد للعالم، فهى لا تكتفى بعرض ماضيها، بل تقدم درساً فى الإرادة والإدارة والإيمان بالمستقبل.
هكذا تُكتب قصة مصر من جديد، لا بالحبر فقط، بل بالحجر والعمل والموقف. واليوم تُضاف صفحة جديدة إلى كتابها عنوانها: «هنا وطن يعرف من هو ويعرف إلى أين يمضى».




