بقلم حسن النجارشؤون سياسية

بقلم حسن النجار: ابرز القراءة في اختبار النزاهة الانتخابية بمصر

المفكر السياسي حسن النجار رئيس تحرير الوطن اليوم المتخصص في الشؤون السياسية الدولية

بقلم | حسن النجار 

تأتي اللحظات السياسية الفارقة بوصفها اختبارات حقيقية لصلابة البنية الاجتماعية، ومدى وعي المواطن، وقوة المؤسسات الوطنية، وقدرة الدولة على حماية قواعد العدالة وتكافؤ الفرص. وقد جسّدت المرحلة الأولى من العملية الانتخابية الأخيرة في مصر مناسبة مهمة كشفت مستوى نضج الوعي السياسي لدى المجتمع،

ومدى استعداده للدفاع عن قيمه الكبرى، وفي مقدمتها النزاهة والمساواة ورفض أي ممارسات تسيء إلى المناخ السياسي أو تمس سلامة المجتمع ماديًا ومعنويًا.

وأظهرت منصات التواصل الاجتماعي ودوائر النقاش العام دورًا فاعلًا في توصيل رسالة واضحة تعكس اتجاهات الرأي العام، وتوضح الموقف الجمعي تجاه بعض الممارسات التي رُصدت خلال المرحلة الأولى من الانتخابات.

ومن خلال هذا التعبير العلني، أتيح الحصول على قراءة دقيقة لوعي الشعب المصري وقدرته على رفض أي أداء ينحرف عن القيم الأساسية للعمل السياسي،

وعلى رأسها الشفافية واحترام إرادة الناخبين. وهكذا تحولت وسائل الاتصال الحديثة إلى فضاءات لإنتاج الوعي السياسي، ومنصات يمارس فيها المواطنون دورهم الطبيعي في الرقابة الشعبية والمساءلة المجتمعية،

مما زاد من حساسية المجتمع تجاه أي سلوك يتعارض مع السياسة الرشيدة، سواء عبر التضليل أو شراء الأصوات أو أي تدخلات تمس نزاهة العملية الانتخابية.

ولفتت الأصوات الجماهيرية الأنظار إلى تصرفات غير سوية تم رصدها ميدانيًا خلال المرحلة الأولى من الانتخابات، ما يعكس ارتفاع مستوى الوعي السياسي لدى المواطنين وقدرتهم على ممارسة رقابة جماعية علنية تسهم في تعزيز الشفافية.

وتميّزت هذه الردود الشعبية بالتزامها بالسلمية والمسؤولية، دون الانزلاق إلى الفوضوية أو الانفعال، بما يدل على عمق التماسك الاجتماعي وروح المواطنة الفاعلة، ويؤكد قدرة المجتمع على حماية نزاهة العملية الانتخابية وفق المعايير الديمقراطية السليمة.

وقد استجابت القيادة السياسية لهذا النبض الشعبي، فجاءت رسالة الرئيس عبر حسابه الرسمي لتضيء جانبًا رئيسيًا من فلسفة الحكم في الجمهورية الجديدة، القائمة على المصارحة والشفافية وحماية قواعد العدل والمساواة.

وأكد التدخل الرئاسي، في توقيته المناسب، أن بناء الدولة لا يقوم على التزييف أو تجميل الواقع، بل على مواجهة أي قصور أو تجاوزات بشجاعة ومسؤولية.

ولم تكن الرسالة مجرد تعليق سياسي، بل تجسيدًا لمبدأ المسؤولية الذي يربط القيادة بنبض الشعب، حيث وجهت الضوء نحو الهيئة الوطنية للانتخابات بصفتها المؤسسة المكلفة بحماية السيادة الشعبية وصون إرادة الناخبين.

ويعكس هذا التوجيه احترامًا راسخًا لمبدأ الفصل بين السلطات، ويعزز قدرة المؤسسات على أداء مهامها بكفاءة، بما يضمن ضبط العملية الانتخابية واستقامتها وفق أسس العدالة والنزاهة.

وتشير هذه الاستجابة السريعة إلى أن التطور السياسي في مصر يرتكز على منظومة قيمية متجددة تتجاوز الشكل التقليدي للسلطة، نحو صيغة أكثر نضجًا تقوم على التفاعل الدينامي بين القيادة والرأي العام.

ويسهم هذا النمط من الحوكمة في تعزيز الثقة المجتمعية في المؤسسات، ويكسب العملية السياسية مصداقية أكبر مع ترسيخ ثقافة الحوار والمساءلة في إطار من الانضباط المؤسسي واحترام القانون.

ويتمسك المجتمع المصري بحساسية عالية تجاه أي ممارسات تمس منظومة القيم المشتركة، وقد ظهر ذلك بوضوح في رفضه الشديد لكل صور الفساد السياسي والمحسوبية ومحاولات تزييف الإرادة الشعبية. ويدرك المصريون، بحكم خبرتهم التاريخية، أن الديمقراطية بلا نزاهة مجرد لافتة شكلية،

وأن المؤسسات التشريعية لا يمكن أن تمارس أدوارها عبر آليات غير مشروعة تفتقر إلى الشفافية. لذا جاءت ردود الفعل الشعبية منسجمة مع الموروث الأخلاقي الرافض للزيف والخداع، ومعبرة عن وعي راسخ بأهمية الالتزام بالمبادئ الوطنية.

وجاءت رسالة الرئيس لتؤكد هذا التوجه الشعبي، مشددة على ضرورة أن تضطلع المؤسسات الوطنية بدورها وفق أعلى مستويات المسؤولية والشفافية،

بما يلبي تطلعات المواطنين واحتياجاتهم. وتمثل هذه الرؤية إطارًا أخلاقيًا يعكس مبادئ الجمهورية الجديدة القائمة على العدل والمحاسبة، ويكشف عن تفاعل القيادة مع الرأي العام كنموذج متقدم لإدارة الشأن العام.

وأوجد هذا التناغم حالة من الانسجام السياسي والمعرفي بين القيادة والمجتمع، أسهمت في تحريك منظومة العمل المؤسسي نحو مراجعة التجارب وتصحيح المسار وضمان عودة العملية الانتخابية إلى مسارها الصحيح.

ويعد هذا التطور مؤشرًا واضحًا على انتصار دولة القانون وترسيخ ثقافة الشفافية والمساءلة، ورفض الفساد السياسي، وتعزيز مشاركة المواطنين في حماية المجال العام وصون حقوقهم.

وتشير القراءة المتعمقة للخطاب السياسي خلال الأزمة إلى أن الاستجابة السريعة من الرأي العام والمؤسسة الرئاسية كان لها دور محوري في حماية النسيج الوطني من محاولات الاستقطاب أو إثارة الفتن.

فقد أجهض التوجيه الرئاسي الحازم، مقرونًا بالحكمة الشعبية، فرص التصعيد، مؤكدًا أن الدولة بمؤسساتها وشعبها لن تنزلق إلى مسارات الفوضى.

ومن هنا تتأكد أهمية الأمن المجتمعي القائم على إدراك قيمة السلم الأهلي وحرص الدولة على ألا تُستغل الملفات الداخلية لإثارة الخلاف، مع الرفض الشعبي لأي تدخلات خارجية تستهدف تفكيك البنية الاجتماعية.

كما يعكس هذا التفاعل وعي القيادة بأولوية الوحدة الوطنية، الأمر الذي أسهم في تعزيز صلابة الجبهة الداخلية ومناعة المجتمع ضد أي محاولات للتلاعب بالوعي الجمعي.

ومن أهم التحولات التي كشفتها الأزمة أن القيادة السياسية لم تتردد في إعلان الحقائق والاعتراف بأي قصور متى استدعت الحاجة. وهذه الشفافية السياسية تعد من أهم مكتسبات الجمهورية الجديدة، إذ يمنح الاعتراف بالمشكلات قوة للدولة في مسار التصحيح، ويفتح الباب أمام رقابة مجتمعية واعية ومسؤولة.

وهكذا، لم تكن المرحلة الأولى من الانتخابات مجرد محطة إجرائية، بل لحظة اختبار كشفت قوة المجتمع، وحكمة القيادة، وصلابة المؤسسات. فقد أعاد التفاعل بين الرئيس والرأي العام العملية السياسية إلى مسارها الطبيعي، وعزز قيم النزاهة والمساءلة،

وأسهم في تثبيت أسس الجمهورية الجديدة القائمة على المؤسسات القوية واحترام صوت المواطن. ومع هذه اللحظة الفارقة، تمضي مصر نحو مستقبل أكثر رسوخًا واستقرارًا، مستندة إلى وعي شعبها وصدق قيادتها وحكمة مؤسساتها وإيمانها بالعدل والمساواة والشفافية.

ودامت مصر آمنة مزدهرة بسواعد أبنائها المخلصين، وقيادة حكيمة تهتدي بالبصيرة، وتفتح آفاق الأمل لشعبها، وتحمي الوطن بالعدل والحكمة نحو مستقبل أكثر إشراقًا.

حفظ الله مصر حفظ الله الوطن حفظ الله الجيش المصري وشهدائنا الابرابر 

حسن النجار

حسن النجار : رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم الاخبارية والكاتب الصحفي والمفكر السياسي في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية باحث مشارك - بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو المكتب الفني للشؤون السياسية وعضو لجنة تقصي الحقائق بالتحالف المدني لحقوق الانسان لدي جامعة الدول العربية والنائب الاول لرئيس لجنة الاعلام بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان الدولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى