بقلم حسن النجار تأثير المشهد المتعلق لوقف إطلاق النار فى غزة بين حماس وإسرائيل 

0

بقلم | حسن النجار  

نعم | تمر منطقة الشرق الأوسط، ومعها مصر، بلحظة فارقة، سوف يمتد تأثيرها لسنوات قادمة، وستساهم فى تشكيل خريطة جديدة للمنطقة. عديد من المشاهد تتداخل فى تشكيل هذه اللحظة.  

‏أولها، المشهد المتعلق بالجهود الدائرة الآن للتواصل لوقف إطلاق نار فى غزة بين حماس وإسرائيل، وتقوم مصر بالدور الرئيسى فيه. 

 الموضوع معقد للغاية، وتتباين فيه مواقف الأطراف. إسرائيل بقيادة رئيس وزرائها نتنياهو هدفها الأساسى هو تأمين إطلاق الرهائن، الذين تحتجزهم حركة حماس منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣،  

وتتعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط شديدة من عائلات هؤلاء الأسرى للإفراج عنهم، لكن فى نفس الوقت يرفض نتنياهو الالتزام بوقف دائم لإطلاق النار،  

ويصر على أن الجيش الإسرائيلى سوف يدخل مدينة رفح، سواء باتفاق هدنة أو بدونه، لتحقيق ما يزعم بأنه ما تبقى من القوة العسكرية لحماس، والأهداف الكاملة للحرب.  

‏من ناحية أخرى ترفض حماس تسليم الرهائن إذا لم يكن هناك التزام بوقف دائم للحرب، أو على الأقل جولة ثانية من المفاوضات تستهدف ذلك قبل إطلاق سراح كل الرهائن المتفق عليهم،  

لأن غياب ذلك يعنى تقديم هدية مجانية لحكومة إسرائيل بالإفراج عن الرهائن، ثم تستأنف إسرائيل الحرب بعد انتهاء فترة الهدنة، وكما حدث فى الهدنة السابقة. 

 ‏أما الولايات المتحدة، فتريد وقف إطلاق النار بشكل عاجل بهدف تهدئة الجبهة الداخلية، خاصة لدى شباب الجامعات الذين اتسع نشاطهم الاحتجاجى فى الأيام الأخيرة لمعارضة حرب غزة.  

وهو ما دفع الرئيس بايدن للخروج فى خطاب متلفز للأمة الأمريكية يدافع فيه عن حق هؤلاء الطلاب فى التظاهر السلمى دون إعاقة العملية التعليمية أو ما سماه ترديد شعارات تثير الكراهية.  

استمرار الاحتجاجات نتيجة استمرار الحرب سوف يؤثر بالتأكيد على فرص بايدن فى البقاء فى البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة، بحكم أن الشباب هم جزء من قاعدته الانتخابية التقليدية التى صوتت له فى الانتخابات الرئاسية السابقة.  

‏وسط كل هذه التعقيدات تسعى مصر للوصول لحل وسط، يحقق جانبا من أهداف الأطراف المختلفة، وفى نفس الوقت يحافظ على المصالح المصرية.  

المشهد الثانى يرتبط بعزم إسرائيل على دخول رفح سواء فى حالة عدم الوصول لاتفاق لهدنة مؤقته أو بعد انتهاء مدة هذه الهدنة. دخول رفح سوف يترتب عليه مذبحة بشرية جديدة،  

بالإضافة إلى قدر كبير من الدمار، خاصة فى منطقة حدود غزة مع مصر، بزعم أن إسرائيل ستسعى لتدمير أى أنفاق فى هذه المنطقة، بل وقد تسعى إسرائيل للتواجد فى منطقة الحدود لفترة طويلة.  

ولكن الأخطر من ذلك هو أن إسرائيل تنوى دخول غزة دون طرح أى رؤية لمستقبل القطاع، سوى رفضها أن يكون للسلطة الفلسطينية أى دور فيه. وبالتالى غير معروف ما إذا كانت إسرائيل سوف تستمر فى السيطرة على غزة، 

 أو على أجزاء منها، أو تترك كل ذلك لفراغ سوف يملؤه الفوضى والعنف. اليوم التالى إذًا ليس ببعيد، وقد نواجهه خلال الشهور القليلة القادمة.  

‏المشهد الثالث تديره الولايات المتحدة بهدوء، ويتحدث عنه وزير خارجيتها عند كل زيارة للمنطقة، ويتعلق بالتطبيع العربى مع إسرائيل، وواضح أن الحوار بشأنه مستمر رغم حرب غزة.  

وربما ترى الولايات المتحدة أنه أحد المحفزات لإسرائيل لوقف هذه الحرب والقبول بدولة فلسطينية، وهو تفكير به قدر كبير من التمنيات تصل إلى حد السذاجة. 

‏خطورة هذا الأمر ترتبط بأن الولايات المتحدة تتحدث عن «مسار» للوصول للدولة الفلسطينية وليس الاعتراف بهذه الدولة الآن. تعبير «المسار» يعنى عدة مراحل،  

ويعنى العودة مرة أخرى لمفاوضات قد تمتد لسنوات دون نتيجة، وفى نفس الوقت تحقق إسرائيل مكاسب من التطبيع وتستمر فى بناء حقائق استيطانية على الأرض،  

والأخطر هو تبخر الزخم الخاص بالدولة الفلسطينية الذى خلقته حرب غزة.  

‏المشهد الرابع يرتبط بإيران، وبالرغم من التقديرات المختلفة للهجوم الإيرانى على إسرائيل ورد الفعل الإسرائيلى، فإن قواعد الاشتباك بين البلدين قد تغيرت.  

وإسرائيل لديها خطة لمواجهة إيران ووكلائها، خاصة حزب الله بعد توقف حرب غزة، وهو ما قد يؤدى إلى اشتعال المنطقة مرة أخرى. بالإضافة إلى الخطة التى بدأت أمريكا وإسرائيل فى الحديث عنها والمتعلقة بإنشاء تحالف إقليمى لمواجهة إيران، وهو ما سوف يؤدى إلى المزيد من الاستقطاب وعدم الاستقرار بالمنطقة.  

‏هذه المشاهد وغيرها بدأت تتبلور فى الأفق، وستشكل «عاصفة كاملة» تهز أركان المنطقة، وتغيرها بشكل غير مسبوق. 

علينا إذن التفكير فى هذه اللحظة وتداعياتها المستقبلية، والتأكيد على عدد من المنطلقات، منها ترسيخ مفهوم المصلحة الوطنية المصرية، وتبنى السياسات التى تحقق هذه المصلحة،  

وتأكيد مكانة مصر الإقليمية كدولة «لا يمكن الاستغناء عنها» أو تجاهلها فى أى تصورات تتعلق بمستقبل المنطقة،  

واستقراء الدروس العسكرية لحرب غزه والمواجهة الإيرانية الإسرائيلية،  

واستثمار الاعتراف الدولى المتزايد بالدور الإقليمى المصرى فى تحقيق مكاسب تساهم فى التنمية، ولهذا كله حديث آخر. 

اترك تعليق