بقلم حسن النجار الطبيب حكيم وليس ساحرا والطب حكمة قبل أن يكون مهنة
بقلم | حسن النجار
تجربة المرض من أصعب التجارب التى يتعرض لها الإنسان، وعندما يذهب إلى الطبيب، تكون توقعاته فى أغلب الأحيان كبيرة. مثلا، يتوقع الشفاء فور تناول الدواء أو إجراء العملية الجراحية، أو العودة بالعمر سنوات كثيرة، أو زيادة قدراته الجسدية سريعا.
ويجب على المريض أن يتذكر خلال زيارته إلى الطبيب أنه اختار الذهاب إلى حكيم وليس ساحرا. ويمتد لقب الحكيم،
الذي مازال أهلنا فى الريف يطلقونه على الطبيب، ليشمل الحكمة وعلوم الطب والعلاج معًا، قائمة على الثقة المتبادلة، ثقة المريض فى تشخيص وعلاج الطبيب، وثقة الطبيب فى اتباع المريض تعليماته والأخذ برأيه للوصول إلى الشفاء.
وتزداد المعضلة تعقيدًا، إذا قرر المريض الذهاب إلى جراح، فتوقعاته تتصاعد، وأحيانًا تصطدم برفض الطبيب الجراح إجراء الجراحة الآن، خاصة لو كانت اختياريه، وتوجد سبل أخرى للشفاء.
وبوضوح إننا نتحدث عن الجراحة الانتقائية وليس الطارئة أو الضرورية. وفى مجال جراحات العمود الفقري، هناك أسباب مشروعة لعدم قيام الجراح بإجراء الجراحة الانتقائية للمريض فى توقيت ما.
فالطبيب الجراح يطابق بين شكاوى المريض ونتائج الاختبارات التشخيصية، وكذلك قياس توقعات المريض.. وللجراحات بصفة عامة، والانتقائية منها بصفة خاصة شروط لابد من توافرها حتى يتم التدخل الجراحي.
وإذا كانت هناك تناقضات بين هذه العوامل، فقد تكون النتائج غير مرضية بعد الجراحة، ومن حق الطبيب الجراح رفض العلاج الجراحي فى الوقت الحالى إذا لم تكن هناك حالة طارئة. ونظرًا لأن العديد من المرضى يعتقدون أن حالتهم طارئة
(على الرغم من أنها ليست كذلك من الناحية الطبية)، فإنهم يشككون فى الرفض ويطالبون بإجراء العملية الجراحية. والأصول الطبية الجراحية لها مسارات محددة لاختيار التدخل الجراحى ومسارات أخرى أكثر احترافية لاختيار نوع التدخل الجراحي المطلوب.
وهناك أسباب محددة لعدم إجراء الجراحة. أهم هذه الأسباب هو عدم تطابق نتائج الفحص البدنى مع المشكلة المحددة فى الكشف الإكلينيكى والفحوصات التشخيصية، فالشكاوى من الألم لا تبدو متسقة أو غير متناسبة مع نتائج الفحوصات.
وأحيانا يرفض الطبيب إجراء الجراحة الانتقائية لأسباب لا علاقة لها بالمريض نفسه، فالجراحة قد تشمل إجراء جراحيا شديد التعقيد، وهو إجراء غير قابل للإدارة السليمة فى بيئة الممارسة الفعلية ببعض المستشفيات.
ففى بعض الأحيان، قد لا تتوفر الرعاية اللاحقة والمراقبة اللازمة أثناء الجراحة وبعدها، فى بعض المستشفيات الصغيرة وقد تكون هذه العمليات الجراحية أفضل حالًا فى بيئة المستشفيات الكبرى.
ويمكن أن يرفض الجراحون إجراء جراحات العمود الفقري الاختيارية، ويحاول الجراحون، الذين يرفضون الجراحة الاختيارية، أن يفعلوا ما هو الأفضل لمريضهم.
وإذا رفض الجراح إجراء العملية، فلابد أنه لديه سببا أو أسبابا منطقية أو بدائل أخرى من التدخل المحدود الحديث.
وقد ذكر الله تعالى فى محكم آياته «إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا». وقد فسر المفسرون كلمة الهلوع بأنها شدة الجزع وشدة الضجر،
وأن الإنسان إذا أصابه المرض أو نحو ذلك فهو كثير الخوف. إنه التوصيف الإلهى المحكم لحالة المريض،
من حيث الهلع والخوف والتوقعات الكثيرة التى قد تدفع المريض وأهله فى اتجاه خاطئ.
وهنا تأتى حنكة الطبيب وعلمه وخبرته نبراسا مضيئا للطريق الأمثل لعلاج المريض.. والتوفيق أولا وأخيرا من الله تعالى سواء فى التشخيص أو العلاج.