بقلم حسن النجار.. اغتيال «إسماعيل هنية» يمثل مرحلة جديدة من الصراع في المنطقة
الكاتب الصحفي والمفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون الساسية
بقلم | حسن النجار
يعتقد قادة إسرائيل اليوم، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، أن الحسم العسكري لحرب غزة لن يكون إلا بإبادة شاملة لجميع عناصر المقاومة، وبما أنه من الصعب تحقيق ذلك، فقد لجأوا إلى توسيع دائرة الآلام لكل الشعب، والقضاء على أي قيمة أخلاقية أو إنسانية للصراع.
إذن دولة الكيان ـ المصنوع غربيًّا ـ تروّج في الحرب الحالية، غير المتكافئة، لشمولية العداوة، إذَ لم تكتفِ باعتبار المقاومين والمجاهدين على الأرض أعداء، وإنما شملت بالعقاب أقاربهم ـ حتى لو من بعيد ـ بل إنها قتلت الأجنة في البطون، من منطلق أنهم مشاريع مقاومة في المستقبل البعيد، وبالتالي هم أعداء.
الحال هذه، تؤكد على أن العدو الإسرائيلي في حربه العبثية هذه، يأخذ من الزمان بُعْديْن، الحاضر والمستقبل، وذلك بالتأسيس على بعد آخر هو الماضي بما يحمل من ذكريات إبادة ومعاناة لليهود من طرف الغرب عموما، خاصة أوروبا، ومن أمم أخرى على مر التاريخ، ليس من بينها العرب.
وإذا كُنا لا ننكر أن للحروب ضحايا وأوزارًا، فإن لها أيضا أخلاقيات وقواعد، فرضتها الأديان، والمعتقدات، والقوانين، والتقاليد، والسياسة وغيرها، لكن عند قيامها يتم في الغالب عدم الالتزام بالأخلاق والقواعد،
وهذا بنسب مختلفة، ويُعاقب من يقوم بذلك بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهذا في حال كان الضمير الإنساني حيّا على مستوى من يتحكمون في الحرب، لكن ماذا لو كانوا مثل قادة العدو الإسرائيلي في الحرب الجارية؟
قادة دولة الكيان، يعتقدون جازمين، أنهم فوق القانون، ولذلك لا يعبأون بقرارات المحكمة الجنائية الدواية، وأن الحل بالنسبة لهم ـ حماية لدولتهم من الزوال كما ظنهم ـ هو توسيع دائرة الحرب،
بل والمُجاهرة بتصفية قيادات حركات المقاومة، وهذا ميراث دموي معروف منذ أن قامت دولة إسرائيل، وما قتْل مئات القادة الفلسطينيين داخل أرضهم وخارجها إلا دليلا عن ذلك، بل أنهم اغتالوا عنوة كل الذين يعتقدون أنهم يشكلون دعما للمقاومين والمناضلين الفلسطينيين في عدد من دول العالم.
عملية الاغتيال الغادر، أصبحت لدى دولة الكيان مشروعا أمنيا مصاحبا لبقائها من عدمه، ولم تنظر إليه على أنه عمل عبثي، ليس فقط لأن هذا الأسلوب من الدفاع الوهمي والإجرامي تجاوزه العصر،
وإنما لأنه قوَّى من عزيمة المقاومين وحتى المناصرين للقضية، والدليل هنا هو استمرار الجهاد الفلسطيني واللبناني، والانتصارات التي تتحقق على الأرض، وإن كانت بتكلفة باهظة.
وواضح أن إسرائيل لم تستفد من تجارب حروبها السابقة مع العرب والفلسطينيين ـ مجتمعين ومتفرقين ـ ذلك أنها تُكرِّر أخطاءها، ومنها على سبيل المثال قتل القادة،
وهو ما أقدمت عليه صبيحة الأربعاء 31 يوليو ـ باغتيال «إسماعيل هنية» رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الإيرانية طهران.
إسرائيل تعتبر ذلك دفاعا وحقا مشروعا، وهناك من يؤيدها في إجرامها، وتهدف ـ كما سبق القول ـ إلى الإرهاب وتعميم الألم، وتأكيد قدرتها وتمكنها من الاختراق الأمني لتنظيمات المقاومة،
والدول الدّاعمة لها، ولكنها في حقيقة الأمر تحدث فوضى واضطرابا في العالم كله وليس في المنطقة فقط، وتسعى جاهدة إلى توسيع نطاق الحرب، ذلك لأن هدفها تصدير أزمتها إلى الخارج،
وذلك لن يكون إلا إذا دخلت في حرب نظامية مع الدول المجاورة لها، لهذا على دول الطوق أن تتوقع امتداد الحرب نحوها بإرادة إسرائيلية ودعم أمريكي.
اغتيال «إسماعيل هنية» يمثل مرحلة جديدة من الصراع في المنطقة، ويعمق من عبثيّة الحرب الرّاهنة، ومع ذلك فإن الرّهان الإسرائيلي على حرب شاملة تتمكن فيها ـ من خلال دعم دولي، أمريكي خاصة ـ من القضاء على أعداء حاليين أو مستقبليين لن يتحقق،
ولن تتسع دائرة الحرب ـ كما تتمنى وتسعى إسرائيل ـ وستظل مركزا على عمل المقاومة داخل فلسطين، مع دعم مكثف من أجنحة المقاومة وتنظيماتها.. وباختصار ستكون المرحلة المقبلة من الحرب الجارية أشد إيلامًا لإسرائيل،
وأضيق مجالا لها، وأكثر أثرًا على وجودها، حيت السير نحو فناء أبدي لدولة الكيان.