ترامب يشيد بدور مصر الحاسم في سلام واستقرار المنطقة والسيسي.. حكايات السياسة والكيمياء
تقرير.. حسن النجار
“الرئيس السيسي أصبح شريكًا بالغ الأهمية لإدارة ترامب بسبب دور مصر الحاسم في سلام واستقرار المنطقة”، هكذا وصف وزير خارجية أميركا خلال عهد ترامب، مايك بومبيو، في كتابه “لا تعطِ بوصة.. القتال من أجل أميركا التي أحبُّ” طبيعة العلاقة التي جمعت بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترامب.
وعقب انتصاره الكبير على منافسته الديمقراطية، كمالا هاريس، في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، حرص العديد من الزعماء العرب على تهنئته على رأسهم الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الذي اتصل به وأشاد بالإنجازات التي حققها ترامب خلال فترة ولايته الأولى التي شهدت نموًا كبيرًا في العلاقة بين الرجلين.
2016: قبل انتخاب ترامب رئيسًا
في كتابه حكى بومبيو أنه التقى بالسيسي لأول مرة في 2014 حينما كان وقتها لا يزال قائدًا للجيش المصري، أما مايك فكان عضوًا في مجلس النواب عن ولاية كانساس. خلال هذا اللقاء أخطر السيسي بومبيو ومرافقيه أنه يعتزم الترشيح في الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر.
كذلك طلب السيسي من بومبيو التدخل لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل إقناعه بتسليم 10 طائرات هليكوبتر من طراز أباتشي تأجّل تسليمها للقاهرة في أعقاب عزل الرئيس الراحل محمد مرسي من منصبه.
وجمعت علاقة مضطربة بين أوباما والسيسي في أعقاب الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي عن منصبه إثر احتجاجات يونيو 2013 التي قادها عشرات الآلاف من المتظاهرين المصريين رفضًا لسوء إدارة مرسي للبلاد.
بعدها بعدة أشهر أمر أوباما بتجميد جزءٍ من المساعدات العسكرية لمصر على خلفية عزل مرسي وهو القرار الذي ظلَّ ساريًا حتى أبريل 2015 وكان مؤشرًا على التدهور الكبير في العلاقة بين أوباما والسيسي.
وفق كتاب “قواعد المقاومة: نصائح من مختلف أنحاء العالم لعصر ترامب” لميلاني واتشيل فإن الحزب الجمهوري بشكل عام تبنّى سياسة مؤيدة للسيسي وهو ما ظهر خلال المناظرات التمهيدية في 2016 التي وُصف الرجل في إحدى فعالياتها بأنه “شجاع” و”رجل يجب أن نُصادقه”.
في يوليو 2016 حسم ترامب ترشيح الحزب الجمهوري لصالحه في انتخابات الرئاسة ضد مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. بعدها بشهرين فقط التقى الرجلان للمرة الأولى خلال زيارة السيسي للولايات المتحدة، ليكون السيسي أول زعيم عربي يقابل ترامب.
في هذا الاجتماع أعرب ترامب عن دعمه القوي للسيسي ووعده بأن أميركا ستكون “صديقة وفية لمصر” حال فوزه بالرئاسة مؤكدًا وجود “كيمياء كبيرة” بينهما. وعلى الجانب الآخر فإن السيسي صرّح في ظهورٍ له مع شبكة “سي إن إن” عقب الاجتماع بأنه لا يشك أن ترامب “سيكون رئيسًا عظيمًا”.
في يوليو 2018 كشفت سيمونا مانجيانتي زوجة جورج بابادوبولوس أحد مستشاري حملة ترامب للشؤون الخارجية بأن زوجها لعب دورًا كبيرًا في ترتيب هذا اللقاء بصحبة كبير مستشاري ترامب للشؤون الاستراتيجية ستيف بانون بسبب “اتصالاتهما المباشرة” مع عددٍ من المسؤولين المصريين.
في نوفمبر 2016 أُعلن فوز ترامب بولايته الرئاسية الأولى، وكان السيسي أول زعيم أجنبي يتصل به ويهنئه على الفوز.
بحسب واتشيل فإن أنصار السيسي كانوا “في غاية السعادة” بعد فوز ترامب، وهو ما ظهر في احتفاء أجهزة الإعلام الرسمية في مصر بانتصاره بعكس هيلاري كلينتون التي وُصفت عدة مرات بأنها السبب في وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحُكم.
حكى جاريد كوشنير زوج ابنة ترامب ومستشاره السياسي في مذكراته “خرق التاريخ (Breaking History)” أن التواصل الدبلوماسي مع السيسي بدأ حتى قبل أن يتسلّم ترامب منصبه رسميًا في بداية يناير 2017.
كشف كوشنير أنه في نهاية ديسمبر 2016 تلقّى إخطارًا إسرائيليًا بأن مصر تعتزم تقديم مشروع قرار بالأمم المتحدة لإدانة الاستيطان الإسرائيلي بالضفة الغربية باعتباره “انتهاك للقانون الدولي”، خطوة لم تكن إدارة أوباما تنوي الاعتراض عليها في أيامها الأخيرة لكنها كانت مرفوضة من فريق عمل ترامب.
في مذكراته كشف كوشنير أن الرئيس السيسي اتّصل به ليخبره أن فريقه لم يستشره قبل الإقدام على هذه الخطوة وأن مصر تنوي التراجع عن تقديم هذا المشروع.
بالفعل أعلنت مصر سحب مشروع القرار بحجة مراجعته إلا أنه جرى تقديمه مرة أخرى عن طريق ماليزيا والسنغال وفنزويلا. رغم جهود كوشنير في تعطيل القرار فإنه طُرح للتصويت وأيّده 14 عضوًا فيما امتنعت أميركا للمرة الأولى عن استخدام حق الفيتو ضد قرار أممي يدين إسرائيل، ليصدر القرار بالأغلبية المطلقة ويمثّل إحراجًا دبلوماسيًا كبيرًا لإسرائيل.
2017: ترامب رئيسًا.. و”دفعة العلاقات”
بحسب أحد تقارير لجنة شؤون الاستخبارات بمجلس النواب التي تشرف على عمل وكالات المخابرات الأميركية فإن مستشار الأمن القومي الأسبق روبرت ماكفارلين بعث برقية إلى ديريك هارفي مساعد رئيس اللجنة في مارس 2017 يخطره فيها أن مصر تعيش أوضاعًا اقتصادية صعبة بالتزامن مع تدهور الظروف الأمنية في سيناء وعلى الحدود مع ليبيا التي تجعل القاهرة في حاجة ماسة لـ”دفعة من الولايات المتحدة”.
وفق البرقية فإن الشعب المصري بات “معاديًا لأميركا” وأن السيسي اقترح على ماكفارلين خطوات وأفكار لإعادة بناء العلاقة بين البلدين بشكلٍ صحي.
بعدها بشهرٍ واحد التقى الرجلان -كرئيسين- للمرة الأولى إثر زيارة قام بها السيسي إلى البيت الأبيض لأول مرة منذ 7 سنوات، حيث قُوبل بحفاوة كبيرة من ترامب الذي أعلن بوضوح أنه “صديق كبير وحليف كبير” وأنه يقف “بكل وضوح وراءه”.
بعدها بأسبوعين قضت محكمة مصرية بالإفراج عن الناشطة السياسية آية حجازي التي تحمل الجنسية الأميركية وسُجنت لمدة 3 سنوات رغم مطالبات إدارة أوباما المتكررة بالإفراج عنها، لاحقًا كشف ترامب أنه تطرّق لقضيتها خلال اجتماعه بالسيسي وأكد له أنه “سيُقدّر لو سمح بخروجها”.
وبحسب ما ذكره أستاذ العلوم السياسية محمد الشيمي في بحثه “محددات سياسات دونالد ترامب في الشرق الأوسط للتعامل مع الإرهاب”، فإن أميركا في عهد ترامب أظهرت الرغبة في دعم مصر خلال حربها ضد الجماعات الدينية المسلحة في سيناء دون أي تحفظات بعكس إدارة أوباما التي ربطت المساعدات العسكرية بالإصلاح الديمقراطي وملفات حقوق الإنسان.
في مايو قام ترامب بزيارة إلى السعودية حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، وخلال القمة العربية الإسلامية الأميركية التقى الزعيمان للمرة الثالثة وحينها أخبر السيسي ترامب بأنه “شخصية فريدة قادرة على فعل المستحيل”، وفقًا لما أورد مايكل وولف في كتابه “نار وغضب: البيت الأبيض في عهد ترامب”.
بعدها بأشهر التقى الزعيمان مرة أخرى في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من إعلان واشنطن تجميد قرابة 300 مليون دولار من المساعدات بسبب مخاوفها من تردّي أوضاع حقوق الإنسان بمصر فإن ترامب بادر بالاتصال بالسيسي بعدها بأيام معدودة للتأكيد على حرصه إبقاء التعاون مع القاهرة مفتوحًا. لاحقًا ستقرر الإدارة الأمريكية الإفراج عن جزءٍ من هذه المساعدات.
بحسب كوشنير فإن خلافًا وقع مع الإدارة المصرية في نهاية هذا العام عقب تقديم المجموعة العربية مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين قرار ترامب باعتبار القدس عاصمةً لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها.
وفقًا لمذكرات صهر ترامب فإنه بذل جهودًا كبيرة لإثناء الدول عن دعم هذا القرار أو على الأقل الامتناع عن التصويت وهو ما أثمر عن امتناع 35 دولة عن إعلان موقفٍ من القرار ورفض 9 أخرى للقرار لم تكن كافية لمنع إصداره بعد موافقة 128 دولة -من بينها مصر- عليه، رغم أن ترامب هدّد بقطع المساعدات التي تقدمها أميركا للدول الداعمة لهذه الخطوات.
2018 و2019: “العلاقات لم تكن أفضل”
في مطلع يناير 2018 زار مايك بنس نائب ترامب مصر، وكشف في كتابه “فليساعدني الرب”، أن هذه الزيارة شهدت أزمة صغيرة خلال اجتماعه بالسيسي بعدما رفض رجال الأمن بالقصر الرئاسي السماح للصحفيين الأميركيين بتغطية هذا الاجتماع، يحكي بنس أن الرئيس المصري استجاب لطلبه بالسماح لهم بالدخول.
كشف مايك أنه رغم أن السيسي أظهر معارضةً علنية لقرار نقل السفارة الأمريكي فإنه كان داعمًا بشكلٍ عام لترامب ويتطلع للتعاون معه في عددٍ آخر من القضايا.
أيضاً حكى نائب ترامب أنه خلال مأدبة طعام أقيمت بالقصر الرئاسي احتفاءً بقدومه مالَ عليه السيسي وسأله ما إذا كان رجلاً مؤمنًا فأجابه بالإيجاب، وهو ردٌّ راق لرئيس مصر وأعرب عن احترامه له.
في سبتمبر التقى الرجلان للمرة الرابعة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي أبريل 2019 التقى ترامب بالسيسي في البيت الأبيض مجددًا وحينها أعلن ترامب أنه لم يسبق وأن أصبحت العلاقات بين أميركا ومصر أفضل مما هي عليه الآن.
وقُرب نهاية هذا العام طلب السيسي طلب من واشنطن التوسط لحل أزمة سد النهضة، وفق بمبيو. وهو ما استجابت له الإدارة الأميركية بالفعل فبدأ برعاية مباحثات مكثفة بين الطرفين كادت أن تسفر عن اتفاق طال انتظاره بالقاهرة لولا انسحاب إثيوبيا في اللحظات الأخيرة منه، أمر أغضب ترامب فأعلن قطع 100 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لإثيوبيا.
وفي أكتوبر 2020 صرّح ترامب بأن فشل المسار التفاوضي قد يدفع القاهرة إلى “تدمير السد” وهو ما انتقدته أديس أبابا حينها واعتبرت أنها “تحريض على الحرب مع مصر”.