بقلم حسن النجار.. ما تعرض له العاهل الأردني من تشنيع.. إنما يُشير إلى أن بعض القلوب ليست مع القضية الفلسطينية وأهلها.. أي الأقرب إلى اللعب بالنار وخيانة.. لا تحتمل التوصيف بشيء آخر؟  

الكاتب الصحفي والمفكر السياسي حسن النجار رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم وعضو المكتب الفني للشؤون السياسية

0
الكاتب الصحفي حسن النجار
المفكر السياسي حسن النجار

بقلم | حسن النجار  

يعود العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين من واشنطن إلى عَمّان مرفوع الرأس، ثابتًا على موقف المملكة، ومُحتميًا بأشقائها الكبار، وما فرّط فى حرف من المُدوّنة العربية الراسخة إزاء فلسطين ومسألة التهجير.  

قال الرجل فى السر ما يقوله فى العلن، وعقّب وزير خارجيته بحصافة دبلوماسية رفيعة، وكانت الليلة بكاملها كاشفةً لكثيرٍ مِمَّا يُدار للمنطقة فى الخفاء، وبعضه ليس من خارجها للأسف! 

وفق الخطة المُجدوَلة سلفًا، يفترض أن يكون اللقاء مُغلقًا. تعرّض الملك عبد الله الثانى لخديعة أولى بأن فُتِحَت الأبواب للإعلام على خلاف الاتفاق، ثم بتحريف كلامه شديد الوضوح، واجتزائه حينًا، وإسقاط بعض الأجزاء، ووَصل غيرها بما لا يرتبط به بشكل مباشر. 

ماذا قال ملك الأردن لأعضاء الكونجرس الامريكي - جريدة الوطن اليوم
ماذا قال ملك الأردن لأعضاء الكونجرس الامريكي – جريدة الوطن اليوم

ولتكن المسألة واضحةً من دون مزايدةٍ أو مُبالغات؛ فالأردن بلد صغير، والأوزان النسبية مُختلة للغاية حال القياس مع الولايات المُتّحدة. الرجلان من مجالين مُختلفين تمامًا: الضيف تربّى على تقاليد رفيعة، وأعراف سياسية ودبلوماسية منضبطة كالساعة، والمُضيف لا يحفل بالقانون لننتظر منه احتراما للبروتوكول. 

وجد عبد الله الثانى نفسه فجأة إزاء سياق من خارج الترتيبات، وكان عليه أن يُمرِّر اللحظة بأقل قدرٍ من الانفعال، وأن يمتص حماوة شريكه فى المقعد المجاور، دون إفراط ولا تفريط،

حوار العاهل الاردني وترامب - جريدة الوطن اليوم
حوار العاهل الاردني وترامب – جريدة الوطن اليوم

وما حدث أنه أنجز المهمة على وجه طيب، راوغ باللغة المتحفظة فيما يحتمل المُراوغة، وعلَّق العناوين الكُبرى على الدائرة العربية، واستمدّ الثبات من مصر؛ وهى عاصمة الإقليم ومركز ثقله، وحائط الصدّ الأخير لفلسطين وقضيتها العادلة. 

وفى المقابل؛ نشطت منصات مشبوهة لتحريف خطابه عن مواضعه، وإلباسه لباسًا لا يطعن فى مواقف المملكة فحسب؛ بل يشقّ الصف العربى، ويخدم أطروحة واشنطن وأجندة اليمين الصهيونى،

ويُصوّب مباشرة ومن دون مواربة على جهود بناء حالة إجماعية تتصدّى لخطط التهجير، وتُقدّم بديلاً محليًّا عن الرؤى المستوردة من الخارج. 

والحال؛ أن المنطقة أقرب إلى حقل قشٍّ جاف، وما كان الأمر يتطلّب سوى شرارة لإشعال الأجواء. بُثَّت الرسائل المُغرضة؛ لتتلقفها منصات التواصل الاجتماعى بكل ما يحكمها من انفعال وقلة عقل، وعلى ضوء «سيكولوجية القطيع» تدحرجت كرة الثلج، وتضخّم حجمها، وتسلّط الباطل على الحق بوقاحة مُزعجة. 

وبعيدًا من هُويّة النافخين فى النار؛ فالمسألة تُؤشِّر إلى أبعاد أشدّ خطورة من تحريف تصريح أو تلفيق آخر. إذ لا يُمكن غض الطرف عن الباعث السياسى وراء التلوين الدعائى،

فإمَّا أنها مُقاربة نظاميّة تُجنَّد لها الشاشات، أو أن الأخيرة مُختطفة فى سياستها التحريرية لصالح تيّار يتولى إدارتها، ولا يتجاوز على المصالح الحيوية للعرب فقط؛ بل على رُعاته ومموليه أنفسهم. 

حوار العاهل الاردني وترامب - جريدة الوطن اليوم
حوار العاهل الاردني وترامب – جريدة الوطن اليوم

بعض المساقات الإعلامية مُلوّثة بالأيديولوجيا، وبناء السرديّة فيها يخضع لذهنية القائمين عليها، لا لمعايير مهنية مُجرّدة، ولا لثابت مبدئى أو مُحدِّدات عملية واضحة من جانب الجهة المالكة.

باختصار؛ ثمّة منصّات تخترقها الأصولية إلى الأعماق، ويُروِّج فيها أبناء التنظيمات المُنحرفة أفكار جماعاتهم، بدلاً من عقيدة المؤسسة أو اتجاهات البلد المُشغّل. ولا يلغى هذا احتمال أنها مدفوعة بإملاءات سياسية. 

وإذ أشار العاهل الأردنى إلى خطّة تعدّها مصر؛ فقد عجّلت الأخيرة بإصدار بيان دبلوماسى شديد الدقة والوضوح، يُغطّى موقف الشقيق خلال وجوده فى واشنطن،

حوار العاهل الاردني وترامب - جريدة الوطن اليوم
حوار العاهل الاردني وترامب – جريدة الوطن اليوم

ويُجدِّد ترسيم الخطوط النهائية الحمراء لمُقاربة القاهرة، وجوهرها أنه لا نزول عن حل الدولتين، ولا نقاش فى غزّة خارج نطاق إعادة الإعمار فى وجود السكّان. 

بعدها أتاحت قناة القاهرة الإخبارية لوزير خارجية المملكة أن يتحدّث، كاشفًا وموضّحًا، وناسفًا ما وُضع على لسان ملكه تلفيقًا أو انتحالاً. بينما كانت الموجة الهائجة على السوشيال ميديا آخذة فى الانحسار،

والصورة تتضح فى أذهان الجمهور، ودفّة الغضب تتحوّل من البرىء إلى المُدان الحقيقى، نقدًا وقدحًا وإدانة وتسفيهًا للنافذة التى لعبت دور الشيطان فى مسرحية الإغواء الساذجة. 

فى الوجه العملى، بدت مصر مُرحّبة بما جاء على لسان عبد الله الثانى فى البيت الأبيض؛ لأنه دخل اللقاء وغادره دون أن يُقدِّم لترامب ما كان ينتظره، وأحال الموقف العربى إلى مرجعيته الحقيقية فى القاهرة،

بما يعنى فى النهاية أنه لا سبيل إلى شرذمة الموقف، ولا نفع من استقطاب العواصم تباعًا؛ إذ لن يسمع من أى واحدة فيها خلاف ما تقوله الأخرى. 

طُرِحَت مسألة التهجير طوال الشهور الماضية، وقبل أن يحل ترامب على رأس ولايته الثانية. تلمّستها إدارة بايدن، وحملها وزير خارجيته أنتونى بلينكن فى سفراته المتكررة،

وتلقّوا عليها رفضا من الإدارة المصرية ثلاث مرّات، ولا فارق بين ما كان سابقًا، وما هو كائن اليوم؛ إلا فى الصخب والتكثيف، وإخراج المسألة إلى العَلَن، وكلها شكليّات قد تضغط على الأعصاب؛ لكنها لا تُزحزح الجدران العالية، ولا تُغيّر شيئًا فى مُعادلة صراع الإرادات. 

وبينما تُؤسِّس الإدارة الأمريكية فكرتها على انعدام سُبل الحياة فى غزة، وأنه لا بديل عن تطهيرها من ساكنيها لشقّ مسار نحو السلام؛ فإن استدراك مصر عليه ينطلق من حقيقة أن القضايا تُحَلّ ولا تُشطَب،

وما تعذّر على التسوية بقليل من حقوق الفلسطينيين، سيكون مستحيلاً تمامًا حال استلابها منهم. وعليه؛ فلا بديل عن مُداواة القطاع بدلاً من قتله، والعمل على تصفية الصراع؛ وليس تأجيجه أو تحريكه على وجه الجغرافيا. 

وجوهر الطّرح هُنا؛ أننا إزاء قضية وجود لا حدود، وهما مُرتبطان عضويًّا دون انفصام. ربما يتظهّر الصراع فى الشقّ الثانى أكثر من الأول، إنما لا مخرج منهما إلا بالتوازن، وليس بإزاحة الغزيين توهّمًا لالتئام الخرائط وتعافيها دون طبوغرافيتها البشرية. 

لن يصير الفلسطينى أى شىء آخر سوى كينونته المُتجذّرة عميقًا فى التراب والنفوس. تحريكه سينقل قضيّته إلى مجال آخر، والسيطرة الأمريكية على غزة ستستبدل احتلالاً باحتلال. المُغامرة هُنا لا تخلو من جهالة ونزق؛

إذ تفترض أن فضاء بديلاً يُمكن أن يفطم شعبًا عن وطنه، وأن غزّة لن تنتقل مع أهلها وعيًا وممارسة، ولا أن شعوب الدول المطروحة لخطة التوطين ستنزح عاطفيًّا إلى أعماق فلسطين. الصراع الصغير سيكبر ولن يموت، والحرب قيد السيطرة قد تتوحَّش بما يفوق طاقات الجميع. 

يطرح سيد البيت الأبيض خيالاً محضًّا، وترد القيادة المصرية بواقعٍ تُؤازره وقائع الحاضر والتاريخ. ومؤخرا شكّلت نقابة المهندسين لجنة استشارية من الخبراء لوضع تصوّر عملى لإعادة إعمار غزة،

ما يعنى أن القاهرة لا تطرح رؤية مُضادّة لمُجرّد النقاش واستهلاك الوقت؛ بل أنها تسير على طريق تفعيلها وفق إجراءات واضحة. وبجدول زمنىٍّ أقل كثيرًا مما تسوّقه الإدارة الأمريكية. 

يجلس ترامب فى مكتبه البيضاوى للتفاوض؛ لكن المسألة محسومة من جانب المعنيين بالقضية. اقتطاع الجغرافيا المتبقية للفلسطينيين ليست فى وارد النقاش أصلا، والإزاحة الديموغرافية لا أُفق لها.

وما قاله الملك عبد الله أن العرب سيأتون بردّ على الخطة، وليس أنهم سيُجادلون فى حدودها المرسومة من جانب واشنطن؛ أى أنه كان يُعبّر عن خيارات نهائية، وليست مُقدّمات يُصار بعدها إلى مواءماتٍ بين الخطابين.  

وما تعرض له العاهل الأردني من تشنيع؛ إنما يُشير إلى أن بعض القلوب ليست مع القضية وأهلها، أو أنها تتخذها وسيلة للتشغيب الإقليمي، ومُكايدة العواصم الكُبرى طمعًا فى أدوار سياسية،

أو رغبة فى تمرير حالة المدّ الأصولي إلى بيئات أُخرى، أكان بتهييج الشارع الغاضب عربيًّا، أو حتى بإتمام التهجير واستخدام ورقة حماس فى حواضنها الجديدة.  

سيناريو أقرب إلى اللعب بالنار، وخيانة لا تحتمل التوصيف بشيء آخر. وأهم ما تفرضه على روّاد المواجهة الحاليين أن يُطهّروا البيت ويُوطّدوا دعائمه،

وأن يضغطوا على الشركاء جميعًا للانخراط فى مُقاربة مُوحّدة، وبحيث يخرجون بموقف جامع تتوزّع أدواره على الأطراف جميعًا، ويُستوثَق من التزامهم به فى السر كما فى العلن.  

والتحدي الأكبر هُنا من جهة الفصائل الغزيّة؛ إذ لا تكتمل المُقاربة العاقلة إلا برؤية سياسية شاملة وناضجة عن اليوم التالى. إمكانية الإعمار المُعجّل ليست المحكّ الوحيد؛ بل أن تكون إدارة غزّة خالصة من الأيديولوجيا والاستقطاب، وبعيدةً عن إرخاء الذرائع للاحتلال وداعميه الخارجيين.  

وعليه؛ فإن الورقة المُراد مُجابهة المخطط الإلغائى بها، تتطلّب أن ينزل الحماسيون ورفاقهم عن الشجرة، وأن يتنحّوا عن أية مهام يومية ظاهرة فى القطاع، ويعودوا مواطنين عاديين فى الزحام البشرى الهادر.  

وبعض المفاتيح مع القاهرة؛ إنما بقيّتها فى عواصم أُخرى، عربية ومن خارج الإقليم، وعليهم جميعًا أن يتحلّوا بقدر من النزاهة فى استشعار حراجة اللحظة، وعدم الضغط على القضية بصفريّة الخيار الأصولى.  

ثمّة مشكلة بنيويّة عميقة فى تلك النقطة. ألا وهي أن بعض الفصائل انخرطت فى مشاريع فوق وطنية، وصارت مُلزمَة بأدوار وظيفية لا تنظر للقضية إلا من ناحية أنها منصّة لمُناطحة الولايات المتحدة وربيبتها الصهيونية،  

أو أداة للمُزايدة على دول الاعتدال، وابتزاز مشاعر الحاضنة العربية الواسعة. ومن تلك النقطة المُحرّفة؛ فقد لا تكون غزّة أو فلسطين بكاملها أصلاً ثابتًا فى وعى هؤلاء، وقد لا يجدون حرجًا فى استبدالها بقاعدة انطلاقٍ أبعد وأوسع، وتحقّق لهم خلط الأوراق وطنيًّا وسياسيًّا.  

وعلى الضدّ؛ فإن رفض القاهرة للتهجير لا ينحصر فى ألا يكون إلى سيناء أو غيرها من الجغرافيا المصرية؛ بل على الإطلاق وتحت كل الظروف. بمعنى أن مصر تستبعد تمامًا خيار إزاحة الفلسطينيين من أراضيهم، ولو إلى دولٍ بعيدة من العالم، أو عبر معابر بحرية وجوية لا تتصّل بحدودها من أى وجه. 

فاعلية المُقاربة الناضجة عربيًّا؛ تشترط ألا تكون عُرضة للجدل والتشغيب من الداخل، ولا أن يُرتِّب فصيل مصالحه فوق الصالح الوطنى العام، أو يعتبر أنه مسموح له بمواصلة النزق والمُغامرات الفجّة،

وعلى الآخرين أن يُسدّدوا التكاليف منفردين، ومن دون حقٍّ فى التدخّل الإنقاذى المطلوب، وأوّله إنقاذ بعض الأشقاء من شياطين أنفسهم وسيئات أعمالهم.  

لدى مصر علاقات وطيدة مع الولايات المُتّحدة، ارتبكت حينًا وتعثّرت أحيانًا؛ لكنها ظلّت فى النطاق الإيجابي أغلب الوقت. والحال؛ أنها تشهد منسوبًا من التوتر ربما يكون الأعلى منذ ثلاثة عقود،  

وقد حسمت القاهرة خيارها بالمضىّ فى مسار التحويط على فلسطين، وعلى أمنها القومى أولا؛ وليس منطقيًّا أن تخوض المواجهة وحدها، ولا أن تُضحّى بقناة استراتيجية مع مخاطر الصدام بالقطب الأكبر؛ بينما يستمرئ البعض الخفة والاستخفاف وألعاب الأطفال، ويطعن آخرون من الظهر.  

كان متوقعا أن يزور الرئيس السيسي واشنطن فى مدى غير بعيد، على ضوء الدعوة المفتوحة التى تلقاها من ترامب خلال اتصالهما قبل نحو أسبوعين.

وبعيدًا عن الترتيبات السياسية رفيعة المستوى، وما يدور فى القنوات الدبلوماسية؛ فما أتوقعه أن الزيارة لن تتم قريبا، على الأقل إن أصرّت واشنطن على أن يكون موضوع التهجير على جدول الأعمال. والمعنى؛  

أن القيادة السياسية فى مصر حسمت أمرها بألا تتناقش فى المسألة أصلا، ربما تقبل الحوار فى ترتيبات الإعمار وإدارة القطاع وإطلاق مسار للتسوية طويلة المدى؛ إنما ليس فى تغيير الملامح الجغرافية والديموغرافية من جذورها.  

مصر، الشعبية قبل الرسمية، غاضبة من تصريحات واشنطن وتل أبيب. ويتجسَّد ذلك بوضوح عبر السوشيال ميديا العربية،  

وأغلبها من المصريين بحُكم التعداد والفاعلية، مثلما يتجسّد فى بيانات الخارجية المُتدرجة صعودًا فى نبرتها. قبل أيام ذكّرت بحق العودة ووضعية القدس بموجب المقررات الدولية، وليلة مؤتمر الملك عبد الله مع ترامب حذّرت من الخيارات المُهدّدة لمُكتسبات السلام.  

والخلاصة؛ أنه موقف للإنفاذ لا الاستهلاك أو المُقايضة، مفتوح على كل الاحتمالات طالما أن الطرف الآخر يواصل سلوكه الاستفزازى. وعلى قدر الحكمة البادية فى أداء الدبلوماسية المصرية؛ فإن السعى إلى إعادة ترسيم المنطقة ليس من المسائل العابرة بالنسبة للقاهرة،  

ولن تتأخّر عن التصدّى لها بكل السُّبل الممكنة، وبدلاً من هروب الصهاينة والأمريكيين من توتر محدود داخل فلسطين، قد يجدون أنفسهم إزاء ما هو أكبر منه وراء حدودها التاريخية.  

عقلية المطوّر العقارى تنظر لغزّة على أنها فرصة اقتصادية، وللغزيّين على أنهم لاجئين يُمكن شحنهم على طائرات عسكرية أو تجارية لمنافٍ بديلة. صحيح أن أغلبهم يعيشون تحت صفة اللجوء؛

إنما من بلدات كانت عامرة بين النهر والبحر، وإما أن يبقوا فى أرضهم الحالية أو يعودوا لأرضهم السابقة، ولا معنى لتعويضهم من جيوب الآخرين؛ إلا أننا إزاء احتلال جديد، وأجندة استعمارية من باب خلفى.  

المسألة ليست تصحيفا فى الديموغرافيا كما يتصوّره طارحوها ويروجون له. والغزيون ليسوا مناط البحث هُنا؛ إذ إن الاستيلاء على القطاع يُجسِّد حالة امبريالية صريحة، والتعويض عنها من أراضٍ مجاورة ينقل فاعليّة الاحتلال من فلسطين إلى نطاق بديل؛ 

 ولو كان المنقولون من الأشقاء وإخوة الثقافة والدم. والمعنى؛ أنه لا فارق بين ما كان بعد يونيو 1967 مثلاً، وما يُراد إنتاجه بتصدير مشكلة إسرائيل مع أهل الأرض إلى مصر وغيرها.  

وإلى ذلك؛ فإنه يُمدِّد الذرائع للنازية الصهيونية فى مطاردة المُقاومة المُتوقّعة، وفى أن تتلمّظ على مزيد من المساحات. سيُسقط تفاهماتٍ حرجة تتساند على حرفٍ من التداعى،

وسيخلق منازعاتٍ جديدة أكثر صخبًا من سابقتها، بما لا يحل العالق، ولا يُجنّب الإقليم اشتعالاً جديدًا.. وباختصار؛ فإنه طرح بمثابة إعلان حرب من جانب الكيان الصهيونى.  

أفلت الملك عبد الله من الكمين، ومن مؤامرة ساقطة أدارها بعض المشبوهين ضد الشخص والصفة، أى ضد الأردن ومواقفه بمعنى من المعانى. واحتمى الرجل بالقاهرة لأنها الظهير والمظلة العريضة؛ ولأن من قدر الكبار أن يخوضوا المواجهات الكبرى، وألا يضيقوا بها؛ شريطة ألا يُخذَلوا أو يُلتَفّ عليهم من الخلف.  

ظٌلِمَت فلسطين بتحميلها ما يفوق طاقتها، وتظهير أطماع بعض القوى الإقليمية من جهة فصائلها الطامحة فى التحرر والاستقلال. ويُراد بخسّة أن يُظلَم الأردن بالدعاية الرديئة،

وبالتصويب عليه باعتباره خاصرة هشّة فى الإقليم، ولا فائدة لأحد من ذلك سوى الصهاينة أوّلاً، ومن ينظرون للمنطقة على أنها شطيرة بيتزا.  

القمة العربية المنتظرة - جريدة الوطن اليوم
القمة العربية المنتظرة – جريدة الوطن اليوم

تعيش المنطقة بكاملها حالة موّارة بالتفاعلات الديناميكية الصاخبة، وموسمًا للفرز واستكشاف المواقف. وكلنا أحوج ما نكون للتكاتف والتضامّ وإحسان الظن، وحاجتنا لترصيص الصفوف تتقدّم على رفاهية الاستعراض والبحث عن أدوار تنتقى أصحابها، ولا تُسرَق بالمال أو الإعلام أو التحالفات المشبوهة.  

الإقليم على مفترق طرق، ولا ينبغى التلاعب بعواطف الناس لأغراض غير بريئة، ولا المقامرة بالمصالح الاستراتيجية العُليا لحسابات ظرفية ساذجة؛ ستضيق بها الخرائط حتمًا، ولن تستثنى أحدًا حينما يحل عليه الدور.  

فرصة ذهبية تقدمها مصر للعرب جميعًا، ولطالما كانت رُمّانة الميزان وعمود الخيمة، ويجب ألا يُفرّط العقلاء فى بادرة الشرف، ولا أن يخذلوا الجغرافيا؛ حتى لا يخذلهم التاريخ. 

حفظ الله مصر – حفظ الله الوطن حفظالله الجيش والشرطة المدنية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي 

اقرا ايضا | 

بقلم حسن النجار..  ماذا تحمل جعبة العاهل الاردني في زيارتة للبيت الابيض الاسبوع المقبل ؟  

اترك تعليق