بقلم حسن النجار: الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية؟
الكاتب الصحفي والمفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون السياسية
بقلم | حسن النجار
الكثير منا في ساعة الخلاف، يسقط القناع، ويتكلم الصمت، وتخرج الحقيقة من مخبئها عارية بلا تجميل ولا تزويق، تلك الساعة ليست مجرد لحظة توتر عابرة، بل هي ساعة صدق نادرة، تبوح فيها النفوس بما كانت تخفيه خلف الستار.
ففي لحظة الغضب، يتعثر التمثيل، وتنهار ديكورات العلاقات الزائفة، يتكلم الإنسان بلسان ما في قلبه، لا ما يليق على لسانه، تنفجر الجملة التي طال كبتها، وتظهر النبرة التي كانت تتخفى في نعومة المجاملة.
قال الله تعالي (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
هنا فقط، ترى وجه الحقيقة الذي كان يختبئ خلف ابتسامات مصطنعة، وكلمات مدهونة بالعسل المعلّب.
الخلاف لا يُفسد فقط، بل يكشف ويُفرز، يفرز بين من كان يحبك لذاتك، ومن كان يتحمّلك لمصلحة، بين من كان يصونك في حضوره وغيابه، ومن كان يراك عبئًا مؤقتًا يُحتمل إلى حين.
في لحظة النزاع، ينطق اللسان بما تكنّه الصدور، وتهرب النوايا من قفصها لتتجول علنًا في ساحة المواجهة.
في لحظة الخلاف، لا يتحدث الناس عن المشكلة فقط، بل عنك، عن صورتك في قلوبهم، عن مكانتك الحقيقية في موازينهم. قال سبحانه وتعالي : {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} (آل عمران:61)
قد تصدمك الحقيقة، وقد تريحك، لكنها في الحالتين، تُحررك من خداع الوهم، وتضعك وجهًا لوجه أمام جوهر العلاقة. هي ساعة صادقة، وإن كانت قاسية، موجعة، لكنها كاشفة، فيها تتقاطع الطرق: إما نضج يبني، أو كراهية تهدم، لذا،
لا تستهِن بها، لا تُطفئ نارها سريعًا قبل أن ترى من حولك على حقيقتهم، لأن في ساعة الخلاف تُختبر القلوب، وتُعرّى النوايا، وتُكتب شهادة ميلاد للعلاقة، إمّا جديدة أو منتهية الصلاحية.