بقلم حسن النجار: مصر بين التوازن وردع الانفجار: هندسة الاستقرار في عالم متحوّل
المفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون السياسية والباحث في الشؤون السياسية الدولية
✍️ بقلم: حسن النجار
تمضي مصر بخطى استراتيجية مدروسة في مسار دولي متصاعد، تتبنّى فيه رؤية تقوم على الاستدامة الجيوسياسية والدبلوماسية الوقائية، في وقتٍ تتصاعد فيه التهديدات الإقليمية وتتسابق القوى الكبرى على إعادة تشكيل خريطة النفوذ.
وسط هذا المشهد المعقّد، تفرض القاهرة منهجاً مستقلاً يُعيد صياغة الدور الإقليمي لمصر كقوة توازن، لا تنحاز لمحور على حساب آخر، بل تبني شراكات محسوبة وتستخدم أدوات الردع بذكاء دون الانزلاق إلى مواجهات مفتوحة.
في دلالة رمزية على عمق هذه الرؤية، جاءت مشاركة وحدات من القوات المسلحة المصرية في العرض العسكري بمناسبة الذكرى الثمانين لنصر روسيا، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، تأكيدًا على قدرة مصر على إدارة علاقاتها الدولية وفق مصالحها الوطنية، لا وفق أجندات الآخرين.
الوساطة لا المواجهة
مؤخرًا، نجحت القاهرة في لعب دور الوسيط المحايد في ملف متفجّر بين الهند وباكستان، تحت رعاية أمريكية. استثمرت مصر علاقتها المتوازنة مع العاصمتين لتؤكد أن خفض التوتر ممكن حين تكون الوساطة نابعة من احترام كل الأطراف، لا من فرض الحلول من الأعلى.
غياب القاهرة.. مخاطرة أمنية
مع تصاعد الحديث عن تحالفات أمنية شرق أوسطية تضم إسرائيل ودولاً عربية، تسعى واشنطن لتفويضها بأعباء الأمن الإقليمي، تحذر دوائر تحليلية من أن تغييب القاهرة عن هذه المعادلات قد يفتح الباب أمام فراغ استراتيجي يهدد أمن البحر الأحمر ويمتد إلى القرن الإفريقي والسودان وليبيا.
دبلوماسية إعادة الإعمار
قدّمت مصر نموذجًا فريدًا في إدارة ملف غزة عبر “المبادرة المصرية لإعادة الإعمار دون تهجير”، واضعة حدًا لمحاولات قسر السكان تحت ذرائع أمنية. استخدمت القاهرة أدوات علمية: من تحليل التدفقات السكانية إلى محاكاة آثار التهجير على الأمن الغذائي، وانتهجت دبلوماسية جماهيرية لحشد الدعم الشعبي والإقليمي والدولي.
11 محورًا للقوة الشاملة
- لم تكتفِ مصر بردّ الفعل، بل نسجت شبكة من أدوات التأثير تضمنت:
- تحصين الداخل المصري بدعم شعبي.
- تفعيل البدائل العمرانية والتنموية.
- تعبئة الدعم العربي والإسلامي.
- بناء تحالف دولي يضم روسيا، الصين، وفرنسا.
- الحفاظ على علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة.
- تطوير منظومة تسليح نوعية منذ 2014.
- توسيع الاستثمارات والبنية التحتية الاقتصادية.
- دعم الصناعات الدفاعية المحلية.
- نشر أنظمة رصد متقدمة وطائرات إنذار مبكر.
- تحصين الثقافة الوطنية من الهجمات الناعمة.
- تفعيل التنسيق العربي والدولي متعدد الأطراف.
توازن لا تبعية
أظهرت مصر أنها لا تسعى إلى سباق تسلّح مفتوح، بل إلى تعزيز الردع الذكي، وتحقيق الأهداف الوطنية عبر تحالفات استراتيجية، لا مواجهة شاملة. ولهذا اعتمدت على بنية عسكرية مرنة، تستخدم أدوات الحرب الحديثة: من التكنولوجيا إلى البيانات، ومن الدبلوماسية الرقمية إلى الحملات الثقافية المضادة.
في مواجهة صراع الهويات
تواجه المنطقة، كما تؤكد القاهرة، هجمة ثقافية وهوياتية لا تقل خطورة عن التهديدات الأمنية. هنا، تُنادي مصر بضرورة تحقيق التوازن بين الانفتاح الحضاري والحفاظ على الثوابت الثقافية، حمايةً للنسيج الاجتماعي من التفكك تحت شعارات الحداثة المُفرطة.
نحو موقع متقدّم عالمياً
وعلى المستوى الدولي، تمضي مصر بخطة مدروسة نحو تعزيز شراكاتها الكبرى، من موسكو إلى بكين، ومن باريس إلى مدريد، مروراً بتحالفات تنموية في إفريقيا وآسيا، في إطار رؤية تضع مبادئ القانون الدولي والتعددية في صميم سياساتها.
ختاماً:
تُثبت مصر، عبر هذه الرؤية المركّبة، أن القوة في القرن الحادي والعشرين لا تقاس فقط بعدد الدبابات أو الطائرات، بل بقدرة الدولة على إدارة تفاعلاتها بذكاء وتوقيت دقيق. وهكذا تبقى القاهرة طرفًا فاعلًا، يحصّن حدوده، ويعيد تعريف موقعه على الخريطة العالمية، بعيدًا عن التبعية.. وقريبًا من التأثير العميق.