مي رفـاعي… بنت الديدامون التي تحدّت العنف ونشرت الوعي في القرى
من الريف إلى الريادة الاجتماعية... امرأة واحدة تقود معركة "لا للعنف" بسلاح العلم والتنوير
كتب | حسن النجار
في قلب قرية “الديدامون”، التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، تقف الدكتورة مي رفـاعي شامخة كأيقونة للتغيير المجتمعي، تحمل على عاتقها قضية كبرى تتجاهلها كثير من المؤسسات، وتواجهها بإصرار وعلم وشغف: العنف المجتمعي بكافة أشكاله.
الدكتورة مي رفـاعي، المتخصصة في التخاطب وتعديل السلوك، لـ” جريدة الوطن اليوم “ليست مجرد معالجة نفسية، بل باتت صوتًا قويًا في ريف الشرقية، يقود ثورة وعي ضد كل أشكال العنف — الأسري، الاجتماعي، الاقتصادي، والجسدي، وحتى العنف الجنسي — الذي ينهش في جسد المجتمع بصمت.
ندوات… لا معارك
مي لم تختَر الصراخ أو المواجهة المباشرة، بل اختارت طريق الندوات التثقيفية والتنويرية، حيث جمعت الأمهات والشباب والمعلمين وأطفال المدارس، لتفتح معهم ملفات العنف المسكوت عنه.
تقول مي في إحدى جلساتها التي احتشد فيها العشرات:
“العنف ليس مجرد ضرب أو شجار.. العنف فكرة منحرفة، وسلوك مريض، ينتشر حين نصمت أو نبرّره أو نعتاد رؤيته.”
دوائر العنف
في حديثها، عدّدت الدكتورة مي رفـاعي مصادر العنف، بدءًا من الأسرة التي تنشأ أحيانًا على أسس خاطئة من التربية القائمة على الضرب أو التهديد، مرورًا بـالمدرسة التي قد تغرس الخوف بدل الفهم، وانتهاءً بتأثير وسائل الإعلام والفيديوهات العنيفة التي تصل إلى الأطفال دون رقابة.
وتضيف: “الشخص العنيف غالبًا ما يكون ضحية قبل أن يكون جانيًا… لديه اهتزاز نفسي، طاقة سلبية، وعدم استقرار انفعالي، ويُنتج عنفه بسبب ما مرّ به من عنف.”
العلاج: ثقة وحوار
وترى مي رفاعي أن العلاج لا يأتي بالعقاب بل بالحوار، مؤكدة أن كل شخص عنيف يمكن علاجه إذا أحسّ بالقبول والحب والثقة. وتشدد على أهمية دور الاختصاصي النفسي وأخصائي تعديل السلوك في تقديم الدعم للأبناء في المدارس أو داخل البيوت، بدلًا من أن ننتظر حتى يتحول العنف إلى كارثة.
وتوضح: “عندما يشعر الطفل أو الشاب أن له قيمة، وأنه محبوب رغم أخطائه، يبدأ في التغير. المهم أن نكسر دائرة الخوف، ونعلمه التعبير لا الانفجار.”
من القرية إلى التغيير
ما يميّز تجربة مي رفـاعي هو أنها لا تقدم علمها من برج عاجي في مدينة كبرى، بل تنزل إلى القرى والنجوع، وتعمل وسط بيئة صعبة تسيطر فيها العادات أكثر من القانون، والخوف أكثر من التفاهم.
نجحت بالفعل في خلق حالة من التفاعل والتغيير في قرية الديدامون، التي بدأت تتحول إلى نموذج للوعي المجتمعي، خصوصًا بين الأمهات، اللاتي أصبحن يتحدثن عن التربية الإيجابية، وتعديل السلوك، والعلاج النفسي، وهي مصطلحات لم تكن مألوفة قبل أعوام.
“لا أريد شهرة.. أريد أن أوقف صرخة طفل لا يسمعه أحد”..
هكذا تختصر الدكتورة مي رفـاعي رسالتها. هي ليست فقط بنت قرية… إنها بنت مصر التي تقود معركة ضد العنف، بلا سلاح، سوى الكلمة والعلم والحب.