بقلم: حسن النجار “الإخوان وخطر التفكيك.. معركة الوعي والبقاء”
الكاتب الصحفي والمفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون السياسية والباحث في الشؤون السياسية الدولية
بقلم: حسن النجار
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتشتد الصراعات، يبقى الخطر الداخلي هو الأكثر تهديدًا لكيانات الدول واستقرارها. حين تتخفى قوى الهدم خلف شعارات دينية أو ديمقراطية زائفة، وتعمل على بث الفوضى والانقسام،
تكون الكارثة أكبر. وفي هذا السياق، تبرز جماعة الإخوان المسلمين كنموذج صارخ لمشروع تفكيكي ممنهج لا ينتمي للسياسة الطبيعية، بل لمدارس “الفوضى الخلاقة” التي تتغذى على الأزمات وتعيش على هشاشة المجتمعات.
لقد أثبتت التجربة أن جماعة الإخوان ليست كما تزعم تنظيما دعويا أو حتى حزبًا سياسيا مدنيًا، بل هي تنظيم مغلق ذو طبيعة عقائدية لا يعترف بمفهوم الدولة الوطنية،
ولا يؤمن بالتعددية أو التداول السلمي للسلطة. إنهم يتبنون مشروعًا يقوم على اختطاف الدولة لا بنائها، وعلى تقويض المؤسسات لا دعمها، مدفوعين بأيديولوجيا متطرفة تعود بالزمن إلى عصور الانغلاق والجمود.
أخطر ما في هذا المشروع ليس فقط في أفكاره، بل في أدواته؛ فهم بارعون في التلون واستغلال الأنظمة الديمقراطية للوصول إلى الحكم، ثم يعملون من الداخل على هدمها.
حين تولى الإخوان السلطة في مصر، تعاملوا مع مؤسسات الدولة لا ككيانات وطنية يجب تحييدها عن الصراع، بل كغنائم يجب إخضاعها لمكتب الإرشاد وتوظيفها لخدمة مشروعهم التمكيني.
إلا أن ما حدث في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 كان مثالاً حياً على وعي شعب استطاع أن يدرك حجم الخطر، ودولة قررت خوض المعركة حتى النهاية. لم يكن إسقاط حكم الإخوان مجرد لحظة سياسية، بل بداية لمعركة استراتيجية ضد مشروع تفكيكي خطير.
واجهت مصر هذا التحدي بأدوات متعددة: أمنية، فكرية، تنموية وثقافية، ونجحت في تجفيف منابع التنظيم والتصدي لمحاولاته اختراق الدولة والمجتمع.
أطلقت الدولة المصرية بعد الثورة حملة تطهير واسعة داخل المؤسسات، وتفكيك الشبكات التي استخدمها الإخوان للتمويل والتغلغل. كما انطلقت المشروعات القومية الكبرى لتعيد الأمل وتبني اقتصادًا مستقرًا يعزز مناعة المجتمع ضد التطرف. كانت هذه الخطوات بمثابة جدار صد حقيقي ضد أي محاولات لإعادة إنتاج الفوضى.
لكن من يظن أن الخطر قد انتهى بخروج الإخوان من الحكم فهو مخطئ. فالفكر لا يُهزم إلا بالفكر،
والتنظيم لا يندثر إلا بتجفيف بيئته الحاضنة. لا تزال الجماعة تعيد إنتاج خطابها في أزمات المنطقة، متنكرة خلف شعارات المعارضة وحقوق الإنسان، وتستغل كل اضطراب سياسي كفرصة للتسلل من جديد.
لهذا فإن المواجهة معهم يجب أن تكون دائمة واستباقية، تتضمن محاور داخلية وخارجية. داخليًا، لابد من ترسيخ مفاهيم المواطنة والعدالة والتنمية، وهي عناصر التحصين الأهم ضد التطرف. وخارجيًا، يتوجب تكثيف التعاون الدولي لملاحقة شبكات التنظيم، والتصدي للدعم المالي والإعلامي الذي توفره بعض الدول الحاضنة لمشروعهم العابر للحدود.
فهم لا يؤمنون بالدولة الوطنية، بل يرون أنفسهم جزءًا من مشروع أممي يتجاوز السيادة والولاء للوطن، ويقدّم الانتماء للتنظيم على كل اعتبار. لذلك فإن التسامح أو التعايش معهم هو وهم خطير، فهم لا يمارسون السياسة بندّية، بل بمنطق التمكين والمراوغة حتى يحين وقت الانقضاض.
المعركة مع هذا الفكر مسؤولية جماعية، لا تقتصر على الدولة، بل تشمل المثقفين والإعلاميين والمجتمع المدني. فالفكر المتطرف لا يعيش إلا في فراغات الوعي، والضعف في الثقة بين المواطن ودولته. وبناء دولة المواطنة التي تضمن الكرامة والعدالة هو الضمانة الكبرى في مواجهة هذا المشروع الظلامي.
لقد قدمت مصر نموذجًا جديرًا بالتأمل، في كيفية حماية الدولة من الداخل، وتحصينها ضد مشاريع التفكيك، وهو درس ينبغي أن تستفيد منه دول أخرى تواجه تحديات مشابهة، فالمعركة في جوهرها هي معركة وعي ووجود، لا تحتمل التهاون ولا أنصاف الحلول.