كتب| محمد طلعت
في مشهد بدا وكأنه هدنة قصيرة وسط نيران مستعرة، بدأت قوافل المساعدات الإنسانية بالتدفق إلى قطاع غزة برًا وجوًا، لتمنح السكان المنهكين من الجوع والقصف لحظة تنفس مؤقتة.
لكن خلف هذا المشهد، تُطرح تساؤلات ملحة: هل هذه الانفراجة مقدمة لحل سياسي مرتقب؟ أم مجرد هدنة تكتيكية تسبق جولة جديدة من العنف؟
ضغوط دولية تقود إلى “هدنة إنسانية”
تزايد الضغوط الدولية، بعد انتشار مشاهد مأساوية من الجوع والمعاناة في غزة، دفعت إسرائيل إلى إعلان “وقف مؤقت” للعمليات العسكرية في ثلاث مناطق داخل القطاع،
ما سمح بدخول مساعدات من معبر رفح وتنفيذ عمليات إنزال جوي بقيادة الإمارات والأردن. لكن مراقبين ربطوا هذه الخطوة بالضغط السياسي الغربي أكثر من كونها انعكاسًا لتحول في السياسة الإسرائيلية.
وزير الخارجية البريطاني ديفيد لام وصف الخطوة بأنها “غير كافية”، مطالبًا بضمان تدفق المساعدات بشكل آمن وكافٍ. في حين ناشد المستشار الألماني فريدريتش ميرتس رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتحرك العاجل لإنقاذ الأرواح، معتبرًا أن الوضع لم يعد يحتمل التأجيل.
الشكوك تلاحق النوايا الإسرائيلية
الدكتور عمرو الشوبكي، المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يرى أن ما يحدث لا يتجاوز كونه “استراحة محارب”، معتبرًا أن إسرائيل تستخدم الملف الإنساني كأداة ضغط سياسي، لا كتحول أخلاقي.
وقال الشوبكي: “المساعدات باتت جزءًا من معادلة تفاوضية… وليست نابعة من إحساس بالمسؤولية الإنسانية.” كما أشار إلى أن التجربة التاريخية تُظهر نمطًا متكررًا: تهدئة مؤقتة يعقبها تصعيد دموي.
غزة تختنق.. ومطالب بفتح المعابر بشكل دائم
من داخل غزة، أكد الباحث في العلاقات الدولية وحقوق الإنسان عزام شعث أن إسرائيل تنتهج سياسة “تجويع ممنهجة”، محملًا إياها المسؤولية الكاملة عن الكارثة الحالية وفق القانون الدولي.
وطالب شعث بفتح دائم ومستدام للمعابر، قائلًا: “الوضع يتطلب أكثر من مجرد شاحنات عابرة… غزة تحتاج إلى 500 شاحنة يوميًا على الأقل لمواجهة الانهيار الكامل في الخدمات الغذائية والصحية والبيئية.” كما أشار إلى أن عام 2025 الذي حذرت منه تقارير أممية قد أصبح واقعًا: غزة باتت غير قابلة للحياة.
ما بعد المساعدات.. ماذا عن الإعمار والاستقرار؟
يرى كل من الشوبكي وشعث أن المساعدات الحالية، رغم رمزيتها، لا تكفي دون معالجة جذرية لقضية الاحتلال والحصار والانقسام الفلسطيني.
الشوبكي اعتبر أن هذه اللحظة يجب أن تُستغل لإعادة طرح أساس الصراع: حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم ورفع الحصار. بينما شدد شعث على أهمية توفير ضمانات دولية لإعادة الإعمار، مؤكدًا أن استقرار القطاع لن يتحقق بالغذاء فقط، بل بإعادة تأهيل البنية التحتية، التعليم، والصحة، والسكن.
تحركات دولية محدودة.. والغياب الأمريكي لافت
في قراءته للمشهد الدولي، أكد الشوبكي أن أي تحرك دولي، مهما كانت رمزيته، يظل بلا تأثير فعلي دون تدخل أمريكي مباشر. وقال: “فرنسا أو روسيا وحتى الصين… لا تملك وحدها تغيير الموقف الإسرائيلي. مفتاح الضغط الحقيقي بيد واشنطن.”
وأضاف أن بيان 25 دولة، بالتنسيق مع بريطانيا، ورغم إدانته لإسرائيل، لن يغير شيئًا على الأرض ما لم تُمارَس ضغوط حاسمة من الإدارة الأمريكية.
ما بين استراحة وإنذار مبكر
تبقى الانفراجة الإنسانية الحالية في غزة نقطة ضوء خافتة في نفق مظلم. قد تمثل فرصة سياسية نادرة للتهدئة، أو تكون مجرد فصل جديد في مسلسل أطول من المعاناة. وبينما تؤكد إسرائيل على لسان نتنياهو استمرار الحرب حتى “تحقيق كامل الأهداف”، تطالب قوى دولية بوقف القتال الفوري.
وفي النهاية، ومع كل شاحنة تمر، يتردد في أزقة غزة سؤال لم يجد جوابًا بعد: هل بدأت نهاية الكارثة؟ أم أن الأسوأ لم يأتِ بعد؟