بقلم حسن النجار: جوعى غزة.. حين يصبح الخبز فخًا للقتل الجماعي!
المفكر السياسي حسن النجار رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم والمتخصص في الشؤون السياسية الدولية
بقلم |حسن النجار
اهتز ضمير البشرية، وسقطت كل دعاوى التحضر، أمام مشهد بشع يتكرر على أرض غزة، حيث يتحول البحث عن لقمة العيش إلى كمين موت، وتتحول طوابير الطعام إلى مقابر مفتوحة لأجساد الأبرياء.
في مشهد لا يقبله منطق ولا يبرره عقل، أقدمت آلة الحرب الإسرائيلية على ارتكاب مجزرة جديدة ضد الجياع من أبناء غزة، لتصطاد العشرات، بل المئات، ممن هرعوا يطلبون لقمة تسد الرمق، فإذا بالرصاص هو الملبَّى لا النداء، والموت هو الجواب لا الغذاء.
كأنما كان الطعام المنتظر هو آخر أمنياتهم قبل الرحيل، في تراجيديا سوداء تُعيد إلى الأذهان مشهد المحكوم عليهم بالإعدام الذين يُمنحون آخر وجبة قبل تنفيذ الحكم، لكن الفرق هنا أن الضحايا أطفال ونساء وشيوخ، لا ذنب لهم إلا أنهم فلسطينيون، يعيشون تحت حصار جائر، وتحت رحمة آلة حرب لا تعرف الشفقة.
ويا للعار.. فكل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من عالم يتشدق بالقيم والإنسانية، لكنه يعجز أمام دماء الأبرياء. لقد تجاوزت إسرائيل كل الحدود، وتعدّت كل الخطوط الحمراء، دون أن تهتز شعرة في ضمير العالم، الذي بات عاجزًا عن وقف آلة القتل، أو حتى مجرد إدانتها بجدية.
ومن المؤلم أن تكون الإنسانية قد وصلت إلى هذا الدرك السحيق، حيث يصبح توزيع الطعام جريمة، والاصطفاف في طوابير المساعدات “جريمة حرب” تُقابل بالقصف والتدمير.
وإذا كان هناك من صوت عاقل في هذا العالم، فهو صوت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الذي امتلك منذ اللحظة الأولى شجاعة الدفاع عن شعب محاصر، مغدور في وطنه، تُرتكب في حقه أبشع صور الانتهاك.
بل وصل الأمر إلى استهداف وكالة الأنروا، المؤسسة الأممية التي تحملت لسنوات عبء إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، بقصف مقارها وقتل العاملين فيها، لمجرد أنها تضم بين صفوفها من آمنوا بعدالة القضية، وتعاطفوا مع المأساة.
وهنا نقف أمام عدة نقاط لا بد من التأمل فيها:
أولًا: لقد سقطت الأقنعة، وغاب الضمير الإنسانى، فكيف بلغ الانحدار الأخلاقى بالبشرية هذا الحد؟ ألم يكن المفترض أننا وصلنا إلى مرحلة من النضج تجعلنا نرفض المجازر والقتل العشوائى؟ أم أن كل ما قيل عن الحضارة والتطور ما هو إلا وهم، أثبت الواقع زيفه أمام جثامين أطفال غزة؟
ثانيًا: ما يحدث بين إيران وإسرائيل ليس مجرد صراع جيوسياسى، بل هو تجسيد لصراع أوسع بين حضارة قديمة تنهض من جديد، وتغطرس عدوانى مدفوع بالكراهية. فالولايات المتحدة تتعامل مع إسرائيل كأداة ترهيب، تبث الخوف فى الشرق، وتنفذ استراتيجيات الهيمنة تحت وهم “السيطرة الدائمة”.
ثالثًا: واهمٌ من يظن أن دماء الفلسطينيين ستُنسى، أو تُمحى من ذاكرة العالم. فهذه المجازر، وهذه المشاهد المروعة، ستظل محفورة فى ضمير كل من تبقى لديه حس إنسانى. لم تعد الحرب فقط بالمدافع والطائرات، بل صارت حربًا للتجويع، هدفها إذلال الإنسان وسحق كرامته، وهي سياسة تنتهجها إسرائيل بوحشية مفرطة، دون حساب ولا عقاب.
رابعًا: إن دماء شهداء غزة الجياع ستظل وصمة عار في جبين العالم، وتاريخًا لا يُمحى من ذاكرة الإنسانية. هؤلاء الشهداء، الذين استشهدوا وهم يلهثون خلف الطعام، سيظلون رموزًا للبطولة والصبر، وصحوة مرتقبة في ضمير البشرية.
تحية لكل شهيد من شهداء الجوع والكرامة في غزة، وتحذير لكل من شارك أو سكت أو تواطأ، فالتاريخ لا ينسى، والعدالة الإلهية لا تغفل، ويوم الحساب آتٍ لا محالة.