بقلم: حسن النجار: مجلس الشيوخ.. فرصة وطنية لصناعة حكماء الجمهورية بجدارة
المفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون السياسية والمتخصص في الشؤون السياسية الدولية
بقلم | حسن النجار
بدأت مصر خطواتها الجادة نحو إنتاج كيان سياسي رفيع، لطالما نال احترامًا كبيرًا في النظم الديمقراطية العريقة، لما يقوم به من أدوار مؤثرة على مسار الدول، في ضوء ما تحكمه من دساتير وأعراف وتقاليد سياسية.
إنه مجلس الشيوخ.. القادم الجديد إلى المشهد السياسي المصري، الذي يستحق حديثًا موضوعيًا لا يغادر الصراحة، ويبتعد عن المجاملات.
ولأن اللحظة تاريخية، تتطلب حذرًا ووعيًا، فإن الحماسة نحو تحصين هذا المجلس الوليد من أي تشوهات أو انحرافات تبدو أمرًا واجبًا. فالتحديات كثيرة، مثل الحروب الاقليمية التي أرهقت العالم، إلى محيط جغرافي سياسي مضطرب يحيط بمصر من كل جانب.
غير أن هذه التحديات لا يجب أن تكون مبررًا لتقديم مجلس شيوخ باهت أو هزيل، بل ينبغي أن تكون دافعًا حقيقيًا للإجادة وصناعة تجربة ديمقراطية تُبهر الداخل والخارج.
■ تشكيل من الحكماء لا السماسرة
من اسمه، “مجلس الشيوخ”، يتضح أنه يجب أن يتكوّن من أصحاب الحكمة، من لهم رؤى وطنية عميقة، وتجارب سياسية أو مجتمعية ناضجة. وعلى هذا الأساس، يجب أن تخلو العملية الانتخابية من الممارسات المعيبة التي أفقدت المواطن الثقة، كشراء الأصوات، والقبلية، والخرق المتكرر لقواعد القانون.
■ الكفاءة أولًا.. لا توازنات حزبية
الكفاءة وحدها يجب أن تكون المعيار الأوحد في تشكيل المجلس الجديد. أما لعبة التوازنات السياسية القائمة على حسابات المصالح الضيقة، فلا محل لها الآن، لأن اللحظة الراهنة حرجة وتتطلب الترفّع عن أي محاصصة حزبية قد تعيق المجلس عن أداء مهامه الوطنية.
■ لا لمجالس «السلام» وتجار السياسة
من غير المقبول أن يتحول مجلس الشيوخ إلى «بديل» لمَن لم يتمكنوا من دخول مجلس النواب! فهناك من يتعامل مع كل المجالس كأنها مجرد مواقع شرفية أو مصالح شخصية، لا يعلمون عنها شيئًا سوى أنها وسيلة للوصول، لا لخدمة الوطن.
وهنا يجب أن يكون واضحًا: مصر الجديدة، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لا يمكن أن تسمح باستمرار هؤلاء “تجار الانتخابات” في ساحتها السياسية، بعد أن انكشف زيفهم وتراجع تأثيرهم أمام وعي الشعب.
■ لا مكان لـ”نائب الخدمات”
مجلس الشيوخ ليس “مجلس خدمات” أو وساطة، وليس من مهامه إنهاء مصالح المواطنين الفردية، بل دوره استراتيجي يتعلّق بالتشريع والسياسات العامة، ومهمته إثراء الحياة البرلمانية ودعم صناعة القرار الوطني. وإذا كنا نطمح لتطوير الأداء البرلماني، فلابد أن نتحرر من مفهوم “نائب الخدمات” حتى في مجلس النواب نفسه بعد تفعيل المحليات، لأن هذه الثقافة شوّهت العمل النيابي لعقود طويلة
ختامًا : نتمنى أن يُولد مجلس الشيوخ الجديد بحجم التحديات التي نواجهها، وأن يضطلع النواب والشيوخ معًا بأدوارهم في بناء الدولة المدنية الحديثة، وإرساء أسس حياة ديمقراطية متطورة، تتسم بالجدية والمسؤولية، وترتقي بطموحات الشعب المصري نحو مستقبل يستحقه.
هذا رأيي، قلته مخلصًا، وبصراحة.. والصراحة راحة دائمًا.