بقلم | حسن النجار
إن إدراكنا الذي يتجلى في معارفنا وممارساتنا وقيمنا الوجدانية، يتعرض اليوم لاستهداف مباشر من قِبل المغرضين الذين يروّجون الشائعات ويمارسون التضليل والكذب والفبركة، في محاولة للنيل من استقرار الأوطان عبر ضرب المكون الفكري للمجتمع.
هذه المحاولات الممنهجة تمثل ما يُعرف بـ”معركة الوعي”، والتي تُعد أخطر من الحروب المسلحة، إذ تستهدف العقول قبل أن تستهدف الأجساد.
إن الغاية من هذه المعركة الخبيثة هي زرع الشك وزعزعة الثقة، وإضعاف الإرادة المجتمعية، ليصبح المواطن مشوشًا، فاقدًا للثقة، متراجعًا عن المشاركة والبناء،
بل وقد يشارك دون وعي في هدم مقدرات وطنه دون أن يتحقق أو يتحرى صحة ما يرد إليه من معلومات. وهذه السلبية المتعمدة تقوّض التنمية وتُجهض مساعي النهوض بالدولة من جذورها.
معركتنا اليوم معركة وجود، لا تحتمل التخاذل أو التجاهل، بل تستلزم استنفار جميع القوى: أفرادًا ومؤسسات وكيانات، للدفاع عن العقول التي تُعد لبنات المستقبل، والتي يسعى أعداء الوطن إلى تعطيلها وتلويثها وتشويه وعيها، لتصبح رهينة صور الفتن، والفجور في الخصومة، والصراع، والتخريب، والفساد.
إننا ندرك تمامًا أن بداية كل اضطراب تمر به الدول التي تفتقر للوعي الرشيد، تبدأ من شائعة صغيرة تتضخم بفعل التداول غير المدروس، ويُسهم في نشرها من لا يكلف نفسه عناء التحقق أو الرجوع للمصادر الرسمية.
والمشهد يزداد تعقيدًا في ظل انفلات الفضاء الرقمي، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة محتوى زائف يبدو للوهلة الأولى واقعيًا وحقيقيًا، مما يزيد من تعقيد المواجهة.
لذا لم تعد المواجهة مقتصرة على مؤسسات الدولة فحسب، بل باتت مسؤولية الجميع؛ فكلما ازداد وعي الشعب، ازدادت قدرته على صد المؤامرات، وتعززت وحدته الوطنية، وأصبح أكثر تماسكًا في حماية مؤسساته وقيادته الرشيدة.
وحماية الأوطان لا تتحقق فقط بالقوة العسكرية، بل بالتكامل بين السلاح والعقل، بين الأمن المادي والأمن الفكري؛ حيث تسهم كل جهة في الدفاع عن استقرار البلاد، ويصبح كل مواطن خط تماس في وجه كل من يحاول بث الفوضى أو نشر الفتن.
الإيجابية العالية والمعنويات المرتفعة تمثل حائط الصد الأول ضد من يسعون إلى التشويه وإثارة الفتن، فالشعوب الواعية، المتماسكة، لا تنزلق خلف الشائعات ولا تسمح لأعدائها بإحداث فرقة بين المواطن ومؤسساته، بل تقف صفًا واحدًا للدفاع عن حلم الاستقرار والتنمية.
وفي النهاية، فإن حراسة الوطن شرف عظيم يتشارك فيه الجميع؛ فمن يسهرون لحمايته بالسلاح، إلى من يحرسونه بالوعي والكلمة الصادقة، فكلنا جنود في معركة بقاء الوطن، نذود عنه ضد من يحاولون التسلل إلى العقول لزرع الفتنة، وتمهيد الطريق للدمار والخراب.
ودمتِ يا مصر بخير، ودام شعبك على العهد والوعي والوفاء.