هدير حسن النجار تكتب : رحيلٌ امي كسرَ صوتَ الصباح
هدير حسن النجار .. تكتب
لم تكن وفاة أمي مجرد حدثٍ عابر يمكن تجاوزه مع الأيام، بل كانت لحظة كسرت إيقاع حياتي كله. كنتُ أصحو كل صباح على نبرة صوتها الحانية، تلك اللمسة التي كانت تزين يومي وتمنح روحي طمأنينة لا تُوصف. رحلت أمي، فرحل معها الأمان،
وتركت خلفها فراغًا لا يمكن أن يملأه أحد مهما حاول. إن فقد الأم ليس كغيره من الفقد، فهو جرحٌ لا يندمل، وغيابٌ يظل متجدداً مع كل صباح ومساء.
حنانٌ غائب.. وظلٌّ لا يغيب
كانت أمي قلب البيت وروحه، وكانت البسمة التي تتسع لكل همومي، والصدر الذي يحتويني بلا تردد. بعد رحيلها، أصبحتُ أرى تفاصيلها في كل زاوية، وأسمع كلماتها في كل سكون. لا يغيب خيالها عني لحظة واحدة، وكأنها ما زالت تقف بجانبي،
تهمس لي بما يخفف ثقل الأيام. ورغم أنها غابت بالجسد، إلا أن حضورها يزداد عمقاً في الذاكرة والقلب.
بعد رحيل أمي، كان أبي هو العوض، ذلك الرجل الذي حمل دور الأب والأم في وقت واحد. حاول أن يسدّ الفجوة الكبيرة التي خلّفها غيابها،
وأن يقف أمام انكساري كجدارٍ من حنان وصبر. ربما لا يعوض أحد مكان الأم، لكن وجود الأب كان سندًا أعاد إليّ بعض التوازن، وكفل لي ألا أسقط في ظلام الحزن وحدي.
منذ الصغر، كنتُ أنام في أحضان أمي، أجد فيها راحتي وطمأنيتي وسلامي الداخلي. ومع رحيلها، شعرتُ أن تلك الطفولة انتهت فجأة، وأن جزءًا مني ما زال نائمًا هناك في أحضانها،
يرفض أن يستيقظ على عالمٍ بلا دفئها. الأم ليست مجرد إنسانة في حياة ابنها، بل هي الحياة كلها، وغيابها يجعل العالم أبرد، أثقل، وأقل رحمة.
دعاءٌ لا ينقطع وذكرى لا تموت
رحمكِ الله يا أمي، يا من كنتِ الصديقة والأخت والأنيسة والمعلمة. ما زلتِ تعيشين في قلبي، وفي تفاصيل يومي، وفي كل لحظة أشعر فيها بالحنين. لا يموت من يترك عشقًا في قلوب من أحبوه،
ولا يغيب من نسج وجوده بخيوط من حنان لا يزول. أسأل الله أن يجعل قبركِ نوراً وراحة، وأن يجمعني بكِ تحت ظل رحمته، ففراق الأم ليس نهاية، بل بداية عشقٍ خالد لا يغيب. في النهاية رحكمي الله يا امي الغالية ؟



