بقلم حسن النجارشؤون سياسية

بقلم حسن النجار: انتخابات البرلمان بين الإصلاح والتحديات

المفكر السياسي حسن النجار رئيس تحرير الوطن اليوم عضو المكتب الفني للشؤون السياسية

بقلم | حسن النجار 

عادت انتخابات مجلس النواب إلى واجهة الاهتمام الشعبي كما لم يحدث منذ عقود، وذلك عقب البيان الفارق الصادر عن رئيس الجمهورية في 17 نوفمبر، والذي حمل توجيهات واضحة بمتابعة مجريات العملية الانتخابية بدقة،

والتعامل بحزم مع أي مخالفات، وضمان أن تعكس النتائج إرادة الناخبين الحقيقية دون مواءمات أو اعتبارات غير منضبطة.

البيان الرئاسي – رغم حفاظه على مبدأ الفصل بين السلطات – أكد دعم الدولة للهيئة الوطنية للانتخابات باعتبارها جهة مستقلة، مع توفير ما يلزم من مؤازرة مادية ومعنوية لتمكينها من أداء دورها دون حرج، وبما يعزز الانضباط ونزاهة العملية الانتخابية.

هذا الزخم السياسي والقضائي انعكس مباشرة على سلوك المرشحين، بعدما شهدت ساحات القضاء أكثر من 250 طعنًا، انتهت الأحكام فيها إلى إبطال نتائج 29 دائرة فردية، تضاف إلى 19 دائرة سبق للهيئة إلغاؤها، في سابقة غير معهودة من حيث حجم الطعون وسرعة الفصل فيها.

وقد تم رفض 14 طعنًا، بينما أحيل 59 آخر إلى محكمة النقض بحكم اختصاصها في صحة العضوية، فيما جرى حسم 187 طعنًا خلال يومي السبت والأحد الماضيين.

ورغم أن الذاكرة البرلمانية المصرية شهدت وقائع مشابهة، إلا أن الاستجابة الرئاسية المباشرة هذه المرة جاءت غير مسبوقة، خصوصًا مع حجم الإلغاء الذى تجاوز 68% من الدوائر الفردية، ما يعكس توجها واضحًا نحو الإصلاح وَمأسسة الانضباط في المشهد الانتخابي.

أما عن الإجراءات المقبلة، فستعود العملية الانتخابية إلى آخر نقطة صحيحة قبل وقوع المخالفات، سواء بإعادة الفرز في بعض اللجان أو بإعادة الانتخابات كليًا في الدوائر التي استوجب الحكم إبطال نتائجها.

ويظل هذا كله مرتبطًا بالقوائم النهائية المُعلنة من الهيئة الوطنية، ما يعنى عدم فتح باب الترشح من جديد، وعدم المساس بمقاعد القائمة المغلقة لانتفاء الصفة والمصلحة في الطعن عليها.

وفي المقابل، فإن الطعون المتعلقة بالفائزين في النظام الفردي ستظل فى عهدة محكمة النقض، التي ستفصل إما بصحة العضوية أو بطلانها، مما يترتب عليه إجراء انتخابات تكميلية دون المساس بنتائج بقية المراحل.

ومن المهم التأكيد أنه لا مجال للقول بإلغاء الانتخابات كليًا، لأن العملية قابلة للتجزئة، ولكل جزء منها آليات قانونية لمعالجة أي خلل. كما أن الدستور لا يمنح رئيس الجمهورية صلاحية وقف الانتخابات، بل فقط حل المجلس بعد انعقاده وباستفتاء شعبي.

المشهد الراهن يكشف أيضًا عن خلل ثقافي متجذر في بنية المشاركة السياسية، حيث لا يزال الوعي الشعبي محصورًا في الولاءات العائلية والمالية، وهو ما لا يمكن تجاوزه بين يوم وليلة. لكن ما حدث مؤخرًا يعزز الثقة في أن العملية الانتخابية باتت قابلة للفحص والمساءلة،

مما يشجع الزاهدين في السياسة على خوض التجربة، ويدفع المواطنين للمشاركة، باعتبار أن الإقبال الكثيف هو الضامن الأول لنزاهة الانتخابات وكبح محاولات شراء الأصوات أو الحشد غير المشروع.

لقد أثبتت الأيام الماضية أن الانحياز للمشاركة هو نقطة الانطلاق الحقيقية لأي إصلاح سياسي، وأن استرداد الحقوق وتصويب الأخطاء لا يقل أهمية عن بناء وعي انتخابي جديد، يفتح الباب أمام منافسة جادة تقوم على البرامج وليس العصبيات.

وتفرض التجربة الراهنة ضرورة إعادة النظر في قوانين الدعاية والإنفاق الانتخابي، بعدما صارت الحدود الحالية غير واقعية في ظل اتساع الدوائر وارتفاع التكلفة. كما يحتاج الأمر إلى حوار وطني واسع لبحث أفضل نظم الانتخاب، وضبط علاقة الأحزاب بالجمهور، وإعادة بناء قواعدها الشعبية على أسس سليمة.

إن ما جرى ليس مجرد طعون وأحكام، بل لحظة إصلاحية فارقة، أعادت الاعتبار لفكرة الانتخابات نفسها، ووضعت الجميع – دولة وأحزابًا ومرشحين – أمام مسؤولياتهم. وبين من يرى نصف الكوب الفارغ ومن يرى النصف الممتلئ،

تبقى الحقيقة أن اللحظة تستحق البناء عليها، استعدادًا لمرحلة ثانية أكثر انضباطًا، ومستقبل سياسي أكثر نضجًا؟ حفظ الله مصر حفظ الله الوطن حفظ الله الجيش المصري وشهدائنا الابرار 

حسن النجار

حسن النجار : رئيس تحرير جريدة الوطن اليوم الاخبارية والكاتب الصحفي والمفكر السياسي في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية باحث مشارك - بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو المكتب الفني للشؤون السياسية وعضو لجنة تقصي الحقائق بالتحالف المدني لحقوق الانسان لدي جامعة الدول العربية والنائب الاول لرئيس لجنة الاعلام بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان الدولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى