بقلم حسن النجار .. الدبلوماسية المصرية ترسم معالم السلام العالمي
الكاتب الصحفي والمفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون السياسية والباحث في الشؤون السياسية الدولية
بقلم: حسن النجار
في ظل عالم يشهد تقلبات جيوسياسية متسارعة وصراعات متشابكة، تثبت مصر مجددًا قدرتها على انتهاج دبلوماسية مرنة، تتسم بالاستقلالية والتوازن الاستراتيجي، لترسي دعائم شراكات بناءة تقوم على تبادل المصالح وتحقيق المنفعة المتبادلة مع مختلف القوى الدولية.
ويأتي هذا التوجه واضحًا في تحركات الرئيس عبد الفتاح السيسي الخارجية، التي عكست في الآونة الأخيرة ملامح مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي المتوازن، كان أبرزها زيارتيه إلى كل من اليونان وروسيا.
اليونان.. شراكة استراتيجية و”بوابة أوروبا” للطاقة
تمثل اليونان أحد أقرب الحلفاء الأوروبيين لمصر، وفي هذا السياق جاءت زيارة الرئيس السيسي إلى أثينا لترسيخ العلاقات بين البلدين، والدفع بالشراكة الاستراتيجية إلى آفاق أرحب.
وبرز مشروع الربط الكهربائي المصري-اليوناني كأحد المحاور الأساسية في المباحثات، بوصفه مشروعًا نوعيًا يُعد الأول من نوعه في المنطقة، ويضع مصر على أعتاب سوق الطاقة الأوروبية عبر البوابة اليونانية، مما يعزز من مكانتها كمصدر إقليمي للطاقة النظيفة والمتجددة.
روسيا.. رسائل سياسية وشراكات اقتصادية عابرة للقارات
على مدار يومين، حلّ الرئيس السيسي ضيفًا على العاصمة الروسية موسكو، تلبية لدعوة الرئيس فلاديمير بوتين للمشاركة في الاحتفالات بالذكرى الثمانين للنصر في الحرب العالمية الثانية. وحملت الزيارة عدة رسائل:
رسالة رمزية تؤكد عمق العلاقات التاريخية بين القاهرة وموسكو.
رسالة سياسية تعكس التوافق المصري الروسي حول قضايا الإقليم، وعلى رأسها أزمة غزة، حيث أكد الزعيمان أهمية استعادة الاستقرار ووقف التصعيد الإقليمي، ودعم موسكو لخطة إعادة إعمار غزة التي تبنتها القمة العربية الطارئة مؤخرًا.
رسالة اقتصادية من خلال تعزيز التعاون الثنائي في مشروعات كبرى مثل محطة الضبعة النووية، والمنطقة الصناعية الروسية بقناة السويس،
فضلًا عن التنسيق لزيادة تدفق السياحة الروسية إلى المقاصد المصرية، إلى جانب مجالات الطاقة، الزراعة، والصناعات الغذائية.
دبلوماسية مستقلة في قلب معادلات دولية معقدة
يعكس الأداء الدبلوماسي المصري قدرة القاهرة على التحرك بمرونة في أجواء دولية مشحونة بالتجاذبات، مع الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع كافة الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية،
التي تشترك مع مصر حاليًا في جهود مشتركة لاحتواء الوضع في غزة، بالتعاون مع دولة قطر.
ويؤكد هذا المسار الاستقلالي للسياسة المصرية أن القاهرة لم تعد مجرد طرف في المعادلة الإقليمية، بل أصبحت لاعبًا فاعلًا يُحسب له حساب، قادرًا على صياغة مبادرات وإنجاز تسويات تخدم الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتفتح قنوات للحوار تتجاوز القوالب التقليدية.
مصر.. عقلانية القيادة وقوة الرسالة
إن هذا التحرك السياسي النشط يعكس المكانة التي تحتلها مصر في ظل “الجمهورية الجديدة”، بقيادة تؤمن بأن السلام لا يُفرض بالقوة، بل يُصنع بالثقة والتوازن والقرار المستقل. كما يعزز ثقة المجتمع الدولي في الدور المصري،
خاصة مع امتلاكها أدوات دبلوماسية متقدمة، وقوة ناعمة مؤثرة، وموقعًا جغرافيًا محوريًا يجعلها حلقة وصل بين الشرق والغرب.
القاهرة.. “قِبلة السلام” في عالم متوتر
تتجه أنظار العالم اليوم إلى القاهرة، ليس فقط باعتبارها حليفًا موثوقًا، بل كوسيط نزيه وصاحب رؤية متزنة، قادر على تجنيب المنطقة ويلات الحروب، وفتح نوافذ للسلام والمصالحة. وهو ما يعزز من طموح مصر لتكون منصة دولية لحل النزاعات، ومركزًا لصياغة رؤى سياسية واقتصادية بديلة تخدم استقرار العالم بأسره.
في الختام، تؤكد تحركات مصر الخارجية الأخيرة، أن الدبلوماسية المصرية لا تنحاز إلا لمصالح شعبها، واستقرار منطقتها، وسلام العالم بأسره… وبهذا النهج، تُرسّخ القاهرة مكانتها كصوتٍ عاقل وسط ضجيج العواصم المتصارعة.
حفظ الله مصر حفظ الله الوطن حفظ الله الجيش