
بقلم | اسماء مشعل
لم أختر يومًا أن يكون في حياتي شخص نرجسي، لكنه كان دائم الحضور، يفرض سيطرته على كل تفاصيل الحياة. لم يكن مجرد إنسان صعب الطباع، بل شخص يرى نفسه محور الكون، ويرى الآخرين أدوات تدور في فلكه.
وعندما جمعتنا الايام ، كنت أتعلم أن أراقب مزاجه قبل أن أتنفس بحرية. إذا غضب، وجب عليَّ الصمت، وإن ابتسم، عليَّ أن أبادله الابتسامة ولو كان قلبي يعتصر ألمًا. تعلّمت أن أعيش على إيقاعه، لا على إيقاع نفسي، لأنه لم يسمح لي يومًا أن أكون كما أنا، بل كما يريد هو أن أكون.
النرجسي لا يرى أحدًا سواه؛ كل ما حوله يدور في مدار احتياجاته ومشاعره وكلماته ونجاحاته. أما أنا، فكنت دائمًا في الظل. إن عبّرت عن وجعي، اتهمني بالمبالغة. وإن اعترضت، اتهمني بالعقوق أو قلة الامتنان. وإن التزمت الصمت، فسّر صمتي على أنه رضا أو استسلام.
أصعب ما في التعامل مع الشخص النرجسي ليس تصرفاته فحسب، بل إحساسك الدائم بالذنب رغم أنك الضحية. إنه يتقن قلب الطاولة ببراعة مذهلة؛ إن جرحك قال إنك حساس، وإن واجهته اتهمك بعدم الفهم، وإن ابتعدت قليلًا لتحمي نفسك، جعل الجميع يراك المذنب. لا يكتفي بإيذائك داخليًا، بل يسعى لإقناع الآخرين أن المشكلة فيك لا فيه.
عشت سنوات أحاول إرضاءه، أثبت له أنني لست كما يتهمني. كنت أتراجع عن أحلامي خشية أن يثير نجاحي غضبه، وأخفي حزني حتى لا يصفني بالمبالغة. كنت أعيش في خوف دائم من كلماته ونظراته.
تلك التجربة لا تخصني وحدي، بل تعكس معاناة كل من عاش في دائرة شخص نرجسي، سواء كان أبًا، أو أمًا، أو زوجًا. فالنرجسي لا يحبك حقًا، بل يحب السيطرة عليك، ويستمد شعوره بالعظمة من ضعفك وخضوعك. لا يحتمل أن يراك حرًّا أو مستقلًّا، لأن استقلالك يُهدد صورته عن نفسه.
أقسى ما في الأمر أن تشعر أنك تفقد نفسك وأنت ما زلت في مكانك، أن تعيش بقرب شخص يراك امتدادًا له، لا إنسانًا مستقلاً بكيانه.
وهنا الحقيقة التي يجب إدراكها: النرجسي لا يتغير. لا يرى خطأه، ولا يشعر بالذنب، ولا يضعك في حساباته إلا بقدر خدمتك لصورته. التغيير الحقيقي يبدأ حين تضع حدودك، وتتوقف عن محاولة إصلاح من لا يريد أن يُصلَح. اختر نفسك، حتى لو كان الثمن قسوته أو ابتعاده.
النجاة من الشخص النرجسي ليست في الهروب الجسدي فقط، بل في التحرر النفسي والعاطفي منه. أن تتوقف عن البحث عن رضاه، وأن تبدأ في منح نفسك ما حُرمت منه طويلًا: الاحترام، والتقدير، والحرية.
“جريدة الوطن اليوم” .. نبض الخبر على مدار الساعة
نوافيكم دائمًا بأحدث الأخبار العالمية والعربية والرياضية لحظة بلحظة، بمصداقية تميزنا وسرعة تضعكم في قلب الحدث.