بقلم حسن النجار : بصمة لا يمحوها الزمن “جمال عبد الناصر” أسطورة لا تموت
الكاتب الصحفي والمفكر السياسي حسن النجار المتخصص في الشؤون السياسية الدولية


بقلم : حسن النجار
في منزلنا الريفي الكبير كانت هناك صورة كبيرة تتوسط حائط “المنضرة البحرية”، صورة لرجل مهيب، عريض المنكبين، كأن كتفيه ظللا جانبي الجدار، بعينين واسعتين لامعتين نافذتي البريق. في سنواتي الأولى كطفل يحبو،
ورغم ألفتي مع تلك الصورة، كنت أسأل نفسي: من هذا الرجل؟ هل هو قريبنا البعيد؟ أم عمي الذي سافر إلى “بلاد بره” ولم أره قط؟ وأذكر أن أول إجابة جاءتني من أبي –رحمه الله–
بصوت مبحوح: “إنه أبونا كلنا، الزعيم الراحل جمال عبد الناصر”. فسألته: ومن هو عبد الناصر؟ فرد قائلاً: “لما تكبر هاتعرف”. وها أنا قد كبرت يا أبي، ومازلت أعرف، وربما ما لا أعرفه عن جمال عبد الناصر حتى اليوم أكبر مما عرفت.
خمسة وخمسون عاماً مرت على رحيل الجسد، ومازال الرجل يملأ الدنيا ويشغل الناس. صوته يصدح في فضاءات الأوطان العربية،
وصورته تعيش في وجدان الملايين، لم تكن فقط معلقة في بيتنا، بل مازالت مرسومة على جدران الميادين، ترفض أن تغادر ذاكرة الأجيال. جمال عبد الناصر لم يكن مجرد حاكم، بل كان مشروعاً لحلم عربي كبير.
يقولون إن الإنسان ابن تجربته، وتجربة عبد الناصر كانت فريدة، عصية على التكرار. تجربة حملت في طياتها صعوبات ومعارك ومطاردات وتشويه، لكنه ظل عصياً على الكسر، وبقي أثره حياً رغم مرور السنين.
في مثل هذا اليوم، الثامن والعشرين من سبتمبر، يتجدد الجدل حوله: بين من يكيلون الاتهامات، ومن يرفعونه إلى مقام الزعيم الملهم. لكنه يبقى عند المصريين والعرب “سرّاً” لم تستطع السنين أن تحجبه، الزعيم الذي صدقوه في حياته، ولا يزالون يصدقونه بعد موته.
جاحد من ينكر أن القاهرة في زمن عبد الناصر كانت قلب العروبة النابض، دعمت ثورات التحرر، ووقفت في وجه الإمبريالية، واحتضنت أحلام الأمة. كان قائداً قومياً بامتياز، التف حوله الملايين، أحبوه في الانتصار،
ولم يتركوه في الانكسار. حتى في نكسة يونيو 1967، حين أعلن تحمله المسؤولية وقراره بالتنحي، خرجت الجماهير بعفوية لتطالبه بالبقاء. وحين رحل عام 1970، شهد العالم جنازته المهيبة، التي سجلها التاريخ كأكبر جنازة في العصر الحديث.
اليوم، وبعد خمسة وخمسين عاماً، مازال جمال عبد الناصر قادراً على إثارة الجدل والانقسام، مازال له أنصار يدافعون عنه، وخصوم يحاولون النيل من سيرته. لكنه يظل حاضراً،
زعيماً امتلك طموحاً تجاوز حدود وطنه، وترك بصمة لا يمحوها الزمن. رحل عبد الناصر عن عمر قصير، وتجربة عظيمة، لكنه عاش وسيظل يعيش في ذاكرة الأجيال.
حفظ الله مصر حفظ الله الوطن حفظ الله الجيش ورحم الله الزعماء المصريين