بقلم حسن النجار: خطاب ترامب يكشف وجه الإمبراطورية الأمريكية القبيح
المفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون السياسية والباحث في الشؤون السياسية الدولية
بقلم | حسن النجار
نعيش اليوم واحدة من أكثر اللحظات توترًا في تاريخ الشرق الأوسط، حيث دخلت الولايات المتحدة الحرب ضد إيران بشكل معلن وسافر، معلنة انحيازها الكامل لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خرج بخطاب متلفز بعد تنفيذ هجوم عسكري استهدف ثلاثة من أبرز المواقع النووية الإيرانية: فوردو، ونطنز، وأصفهان.
هذا الخطاب، وإن جاء في ظاهره إخباريًا، إلا أنه يكشف الكثير من الأغراض السياسية والرمزية.
فقد قدّمه ترامب كمحاولة لتأكيد قدرة أمريكا على الوصول إلى العمق الإيراني دون خسائر، مؤكدًا نجاح الضربة وفاعليتها، في رسالة تهديد واضحة لطهران مفادها: “نستطيع أن نضرب مجددًا وبقوة أكبر”.
الأغراض الكامنة خلف الخطاب:
الإعلان والتوثيق: الخطاب قدّم معلومات تفصيلية عن الضربة الجوية، أهدافها ونتائجها، في محاولة لتثبيت الرواية الأمريكية أمام العالم.
التهديد والإنذار: ترامب لم يكتف بوصف العملية بالناجحة، بل حذر من ضربات أكثر دقة وأوسع إن لم تنصع إيران لما أسماه “دعوة للسلام”، سلام مفروض بشروط أمريكية.
تمجيد القوة الأمريكية: ترامب رسم صورة للجيش الأمريكي كقوة أسطورية لا ينافسها أحد، في تأكيد لفكرة الاستثنائية الأمريكية المطلقة.
التحالف مع إسرائيل: لم يخفِ ترامب دعم بلاده الكامل لإسرائيل، بل أعلن أن تل أبيب كانت على علم مسبق بالضربة، وأكد أن “أمريكا تتعهد بحمايتها”، ما يضع الضربة في إطار تحالف استراتيجي أوسع يتخطى مجرد الردع النووي.
فرض شروط سياسية: الخطاب قدّم السلام على أنه ليس نتيجة حوار، بل أداة فرض، مشروطًا بتجريد إيران من قدراتها النووية، وهو ما يعكس مشروعًا أمريكيًا لإعادة رسم خريطة النفوذ والتوازنات في المنطقة.
تأثير داخلي انتخابي: لا يمكن إغفال البُعد الداخلي للخطاب، فقد سعى ترامب من خلاله إلى تقديم نفسه للناخب الأمريكي بوصفه القائد الحازم، الذي يحقق انتصارات دون كلفة بشرية، مستثمرًا الملف الإيراني كورقة ضغط في سباقه الانتخابي.
وسائل الإقناع والتأثير:
اللغة الحماسية: عبر عبارات مثل “نجاح رائع” و”كل الطائرات عادت سالمة”، يعزز ترامب صورته القيادية ويزرع الثقة في قدرات جيشه.
التهويل المتعمد: الحديث عن “30 طنًا من القنابل” ورسائل التهديد المتكررة تهدف إلى بث الرعب، ليس فقط في طهران، بل حتى داخل المعسكر الديمقراطي الأمريكي.
الثنائية الحادة “السلام أو المأساة”: أسلوب بلاغي معروف يقضي على أي مساحة للتفاوض، ويضع العالم أمام خيارين لا ثالث لهما.
تبرير أخلاقي للعدوان: ربط العملية بالدفاع عن العالم من “تهديد نووي إيراني”، رغم تجاهله الكامل للشرعية الدولية، بما فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لم تثبت وجود أي مخالفة إيرانية مؤكدة.
الإخراج المسرحي: الخطاب كان جزءًا من حملة إعلامية مدروسة، بدأ الترويج لها قبل إذاعتها على منصة “تروث سوشيال”، وجاء بصفته حدثًا عالميًا تم الإعداد له بعناية.
الخلاصة:
خطاب ترامب حول الضربة العسكرية ضد إيران يعكس خطابًا إمبراطوريًا بامتياز، خطاب يستعرض القوة،
ويقصي الحوار، ويقدم “السلام” كمنحة مشروطة لا كنتيجة تفاوض متكافئ. لكنه أيضًا خطاب يكشف أزمة عميقة في النظام الدولي، وغيابًا صارخًا للشرعية الأممية، ويزيد من احتمالية انفجار المشهد الإقليمي بشكل يصعب احتواؤه.
ورغم ما بدا عليه الخطاب من حسم وثقة، فإنه يعكس واقعًا أكثر اضطرابًا، ويطرح سؤالاً جوهريًا: إلى أين يقود هذا النهج العالم؟