بقلم: حسن النجار “الستر.. نعمة لا تُقاس بالأرقام بل تُحس بالقلب”
المفكر السياسي حسن النجار عضو المكتب الفني للشؤون السياسية والباحث في الشؤون السياسية الدولية
بقلم: حسن النجار
في زمنٍ تتسابق فيه الشعوب على مؤشرات النمو، وتُقاس فيه السعادة بالأرباح، يبقى هناك حلم بسيط، لكنه أعظم من كل الطموحات: “الستر”.
الستر ليس ثروةً طائلة، ولا بيتًا فاخرًا، ولا رصيدًا متخمًا، بل هو أن تمر بك الحياة بسلام، دون أن تطرق بابًا لسؤال، أو تُذل في طلب حاجة. هو أن تجد قوت يومك ودواءك دون مِنّة، وتنام مستور الحال، آمناً في سربك، شاكراً لربك.
هذا الحلم النبيل لا يُسجل في تقارير اقتصادية، ولا يتصدر نشرات الأخبار، لكنه الدعاء الأول في فجر أمّ قلقة على أبنائها، وهو الرجاء الصامت في قلب رجلٍ شريف، يخرج للعمل ويعود بجيب خفيف وكرامة ثقيلة.
الستر هو ذلك الإنجاز الذي لا تُصفق له المجالس، لكنه يتحقق في مطبخ بسيط، حيث تدير امرأة عظيمة تفاصيل الحياة بميزان الدقة، توازن بين الفواتير ورغيف الخبز وكرامة الأسرة.
هو الرجل الذي يرضى بالقليل، ولا يمد يده إلا إلى السماء، هو الموظف الذي يبتسم رغم ضيق الحال، ويعيش بعفاف لا يراه أحد، وصبر لا يُقدره إلا من يعرف قيمة الكبرياء في زمن الحاجة.
في شوارع مصر، نسمعها كثيرًا: “الحمد لله على الستر”، جملة تختصر فلسفة حياة، فيها الشكر، والوجع، والخوف، وفيها رضا لا يُشترى، ويقين لا يتزعزع.
كم من أيدٍ بيضاء وجمعيات خيرية تعمل في صمت، لا تطلب شهرة، لكنها تمنح بيوتنا أمانًا ودفئًا، وتوزع الكرامة قبل الطعام. هم جنود مجهولون، يزرعون الأمل بصمت، ويمنحون الستر دون أن يفضحوا الحاجة.
الستر لا يُقاس بالنقود، بل بالإحساس بالأمان، هو نعمة روحية قبل أن تكون مادية، وهو الحصن الأخير الذي يمنعنا من الانهيار في زمن القسوة.
فلنحافظ على الستر كما نحافظ على أرواحنا، فربما لا نُحاسب يومًا بما نملك، بل بما سترنا الله به، وبما سترنا به بعضنا البعض.