بقلم حسن النجار.. الزعماء العرب القضية الفلسطينية عصب السلام والاستقرار في المنطقة 

0

بقلم | حسن النجار 

بين العرب وبعضهم البعض، روابط خاصة لا توجد في أي بقعة بالكرة الأرضية، وتاريخ طويل من التكاتف والتلاحم على مدار قرون عديدة مضت، 

 سطّرته الكُتب والمجلدات بأحرف من نور، سواء في الحروب المشتركة أو في العلاقات العربية – العربية الخاصة، أو حتى في الأزمات التي مرت بها المنطقة على مر العصور.. 

ولعل القمة العربية الثالثة والثلاثين التي استضافتها مملكة البحرين مؤخراً، لأول مرة على أراضيها، سيكتبها التاريخ المعاصر في الركن الخاص بتعزيز منظومة العمل العربي المشترك خلال الألفية الميلادية الثالثة.. 

بحكم عملي الإعلامي، حضرت العشرات من القمم العربية السابقة، وشاركت في تغطية فعالياتها المتعددة، إلا أن قمة المنامة كانت مختلفة واستثنائية بكل ما تحمله الكلمتان من معانٍ، وكانت القمة فارقة، في الزمان والمكان، وأيضاً في فارقة في القرارات..  

فمن حيث الزمان، جاءت القمة في وقت عصيب تمر به المنطقة والعالم، وظروف بالغة التعقيد تعصف بالشرق الأوسط، وأزمات عديدة تملأ جنبات الإقليم الحزين، سواء الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة،  

أو القتال الدائر في السودان الذي دخل عامه الثاني بدون أي تسوية سياسية تلوح في الأُفق، أو الأزمات المفتوحة في كل من اليمن ولبنان وسوريا وليبيا والصومال، ناهيك عن جروح الوضع العالمي شديد الاضطراب على المستويين السياسي والاقتصادي.. 

ومن حيث المكان، فعُقدت القمة العربية على أرض مملكة البحرين، لأول مرة في تاريخها، وصراحة القول إن المؤسسات البحرينية بذلت كل غالٍ ونفيس من أجل إنجاح القمة العربية والتوافق حول جدول أعمالها وقراراتها التي صبّت جميعاً في تعزيز منظومة العمل المشترك بين العرب..  

أما من حيث القرارات، فقد جاءت على مستوى تحديات العالم العربي، وصدر “إعلان البحرين” متضمناً 20 قراراً للقادة والزعماء العرب، رسمت خارطة طريق عربية جديدة للتعاطي مع الاضطرابات والأزمات الملتهبة، وأساليب مواجهتها وحلحلتها..  

الزعماء العرب في ختام قمتهم الثالثة والثلاثين، اتخذوا إجراءات فعّالة لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وخروج قوات الاحتلال من كل مناطق القطاع،  

وإزالة كل المعوقات وفتح جميع المعابر أمام دخول المساعدات الإنسانية لأهل غزة، مشددين على مركزية القضية الفلطسنية باعتبارها عصب السلام والاستقرار في المنطقة، وعلى تصديهم الجماعي لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين قسرياً من أراضيهم الطاهرة..  

قمة المنامة، أطلقت العنان لدعم مطلق وغير مسبوق لقضية فلسطين منتظر أن يتم خلال الفترة المقبلة، حيث أعلنت العزم على عقد مؤتمر دولي كبير لحل القضية الفلسطينية،  

وتنفيذ مشروع حل الدولتين بما يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية..

ومن المرجح أن يتم عقد هذا المؤتمر العالمي الخاص بفلسطين، في البحرين أو في إسبانيا بأسرع وقت ممكن،  

كما ذكر أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، حينما سألته في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في ختام فعاليات قمة المنامة، عن التحضيرات المستقبلية لهذا المؤتمر الدولي، وتفاعل الغرب معه.  

ويبقى الحدث والحديث الأبرز عن هذه القمة العربية، هو المشاركة المصرية المتميزة فيها، وكلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي القوية أمام القادة والزعماء العرب، التي حملت رسائل عدة مباشرة وغير مباشرة، 

 لكل الدول العربية بل للعالم بأسره، حينما تحدث قائد مصر عن التحديات والأزمات المعقدة، والحرب الإسرائيلية الشعواء ضد أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق..

ووضع الرئيس، الجميع أمام مسارين لا ثالث لهما، الأول مسار السلام والاستقرار والأمل، والثاني مسار الفوضى والدمار الذي يدفع إليه التصعيد العسكري المتواصل في قطاع غزة..  

الرئيس السيسي سجّل في القمة العربية لحظة فارقة، حينما قال إن التاريخ سيتوقف طويلاً أمام الحرب الإسرائيلية على غزة، ليسجل مأساة كبرى، عنوانها الإمعان في القتل والانتقام،  

وحصار شعب كامل، وتجويعه وترويعه، وتشريد أبنائه، والسعي لتهجيرهم قسرياً، واستيطان أراضيهم، وسط عجز مؤسف من المجتمع الدولي بقواه الفاعلة ومؤسساته الأممية.. 

وعدد الرئيس مواقف الدولة المصرية ومحاولاتها المستميتة، لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء العدوان الظالم على القطاع، وإنقاذ المنطقة من السقوط في هاوية عميقة، 

 كاشفاً للجميع أنه لا توجد الإرادة السياسية الدولية الحقيقية الراغبة في إنهاء الاحتلال، ومعالجة جذور الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني عبر آلية “حل الدولتين”،  

وأعلنها صراحةً أن إسرائيل مستمرة في التهرب من مسؤولياتها والمراوغة حول الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار، بل والمضي قدماً في عمليتها العسكرية المرفوضة في رفح، فضلاً عن محاولات استخدام معبر رفح من جانبه الفلسطيني، لإحكام الحصار على القطاع..  

ولم تخلُ كلمة القيادة السياسية المصرية من التأكيد على موقف مصر الثابت، قولاً وفعلاً، برفض تصفية القضية الفلسطينية، ورفض تهجير الفلسطينيين أو نزوحهم قسرياً،  

أو من خلال خلق الظروف التي تجعل الحياة في غزة مستحيلة، بهدف إخلاء أرض فلسطين من شعبها.. فبالفعل، واهم من يتصور أن الحلول الأمنية والعسكرية قادرة على تأمين المصالح أو تحقيق الأمن، ومخطئ من يظن أن سياسة حافة الهاوية يمكن أن تُجدي نفعاً أو تحقق مكاسب ،  

فمصير المنطقة ومقدرات شعوبها أهم وأكبر من أن يُمسِك بها دعاة الحروب والمعارك الصفرية.. وما أروع مقولة: “إن مصر التي أضاءت شعلة السلام في المنطقة، عندما كان الظلام حالكاً،  

وتحملت في سبيل ذلك أثماناً غالية وأعباءً ثقيلة، لا تزال – رغم الصورة القاتمة حالياً – متمسكة بالأمل في غلبة أصوات العقل والعدل والحق، لإنقاذ المنطقة من الغرق في بحار لا تنتهي من الحروب والدماء”..  

لقد وجه الرئيس السيسي نداءً واضحاً وصريحاً وصادقاً للمجتمع الدولي وجميع الأطراف الفاعلة والمعنية، أمام قادة وزعماء الدول العربية، حينما قال إن ثقة جميع شعوب العالم في عدالة النظام الدولي تتعرض لاختبار لا مثيل له فيما يحدث في غزة،  

وإن تبعات ذلك ستكون كبيرة على السلم والأمن والاستقرار، فالعدل لا يجب أن يتجزأ، وحياة أبناء الشعب الفلسطيني لا تقل أهمية عن حياة أي شعب آخر، فهذا الوضع الحرج لا يترك لنا مجالاً،  

إلا لأن نضع أيدينا معاً لننقذ المستقبل قبل فوات الآوان، ولنضع حداً فورياً لهذه الحرب المدمرة ضد الفلسطينيين، الذين يستحقون الحصول على حقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية..  

علامات الحزن على ما يحدث في غزة، وسط صمت المجتمع الدولي وعجز النظام العالمي عن الحل، بدت أيضاً على ملامح أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية خلال المؤتمر الصحفي الختامي، حينما سجّل أسفه الشديد أمام كافة وسائل الإعلام،  

تجاه العنصرية التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع ما يحدث من ظلم بيّن في أرض فلسطين المحتلة، مقارنة بنفس الأمر إذا ما حدث في البوسنة أو كوسوفو أو حتى أوكرانيا.. فبالتأكيد، الحاكم الفعلي للنظام العالمي، هو ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، بعد أن سقط الغرب أخلاقياً وبجداره، في اختبار الحرب على غزة. 

اترك تعليق